+ A
A -
تحولت الأزمة السياسية غير المسبوقة، التي تعيشها تونس منذ مدّة، ما بين الرئيس قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي، إلى معركة كسر عظم بينهما، نتيجة الإشكال القانوني الحاصل بشأن مسألة أداء اليمين الدستورية، وذلك بعد رفض الرئيس المصادقة على التعديل الوزاري الذي قدمه رئيس الحكومة ونال موافقة البرلمان، بدعوى عدم احترامه الدستور من الناحية الإجرائية، ووجود وزراء تحوم حولهم شبهات فساد. وبات السؤال مطروحاً حول المدى الذي ستصل إليه الأزمة، والوقت الذي ستستغرقه، حيث تتوالى فصولها وتشتدّ بين رئيسي السلطة التنفيذية التونسية.
أطلقت قوى سياسية ومنظمات تونسية عديدة دعوات إلى عقد حوار وطني شامل، يضم جميع الأحزاب والقوى السياسية والمنظمات المدنية، للبحث في الحلول والآليات التي يمكنها إخراج تونس، ليس فقط من أزمتها السياسية الحالية، بل من مختلف الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بها، وتهدّدها بالإفلاس في حال استمرار التعطيل والإضرابات، وبانفجار اجتماعي وشيك مع تفاقم الأوضاع المعيشية لغالبية التوانسة.
ولم تلق الدعوات للحوار آذاناً صاغية، على الرغم من التوافق العام على ضرورة إيجاد مخرج للأزمة، وتطويق إرهاصاتها وارتداداتها على الشارع التونسي الذي خرج، في أكثر من مناسبة، محتجّاً على تردّي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، لكن طرفي الأزمة لم يكتفيا بالدخول في لعبة تسجيل نقاط سياسية على الطرف الآخر ومحاولة إحراجه، بل يحاولان زجّ الشارع في الصراع السياسي الدائر، عبر دعوة أنصارهما إلى تنظيم مسيرات احتجاجية، فقد دعت حركة النهضة، التي تقف إلى جانب رئيس الوزراء، إلى تنظيم مسيرة شعبية حاشدة في 27 من فبراير الجاري، بينما ينادي أنصار الرئيس بحل البرلمان وإسقاط رئيسه الغنوشي، الأمر الذي ينذر بمخاطر وتداعيات لا تُحمد عقباها على الوضع في الشارع التونسي بشكل عام.
ويعود أصل المشكلات في تونس إلى اعتمادها نظاماً سياسياً هجيناً يخلط ما بين النظامين الرئاسي والبرلماني، وأنتج أزمات عدة بين كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان، على مدى السنوات الأخيرة، حيث تتقاسم الرئاسات الثلاث الصلاحيات الدستورية، وأفضى ذلك إلى تعدّد مراكز القوة وتداخل الصلاحيات، وبالتالي لا يتوقف الصراع الدائر على الصلاحيات بين الرئيس ورئيس الحكومة، بل يشمل أيضاً الصراع القديم بين الرئيس ورئيس البرلمان، في ظل سعي الثلاثة إلى تعزيز سلطاتهم وإثبات وجودهم.
وأنتج دستور عام 2014 في تونس نظاماً سياسياً يحدّ من هيمنة رئيس الجمهورية على مؤسسات الدولة، ويُوصف بالنظام شبه البرلماني، حيث يوزّع السلطة على كل من رئيس الجمهورية المنتخب مباشرة من الشعب، والبرلمان المنتخب أيضاً مباشرة من الشعب، وحكومة يمنحها البرلمان الثقة، والنتيجة وجود أرضية لتنازع السلطات، ومهيأة لنشوء الأزمات، تجسّدها حالة من عدم الاعتراف بين الرؤساء وعدم احترام للسلطات، خصوصا مع دوس كل طرف على رجل الطرف الآخر، في ظل التناقض بين ما يسعى الرئيس التونسي إلى تحقيقه في توسيع صلاحياته، ورغبته في الانتقال إلى نظام رئاسي، وما تريده الأحزاب السياسية في الإبقاء على النظام الحالي. يضاف إلى ذلك تبرّم الرئيس سعيد من النظام البرلماني، وعدم إيمانه بالعمل الحزبي، كونه يعتبر الأحزاب السياسية مجرّد «أدوية منتهية الصلاحية»، ولذلك يفخر بأنه أول رئيس تونسي يأتي من خارج المنظومات الحزبية، وأن رصيده يأتي من الشارع، إلى جانب أنه أستاذ القانون الدستوري، وصاحب الاستعراضات والخطابات الشعبوية.
وفي ظل استمرار أزمة الرئاسات في تونس، فإن المتضرّر الوحيد هو الشعب التونسي الذي ينحصر همه الأساسي في تحسين ظروفه المعيشية والاقتصادية المتدهورة. وبالتالي، ستزداد معاناته مع انشغال أطراف السلطة في نزاع الصلاحيات.
والأجدى بالجميع تغليب مصالح الدولة والشعب على المصالح الضيقة، والتركيز على إيجاد حلول مناسبة لمشكلات عامة التوانسة من زيادة الفقر وارتفاع نسب البطالة وتوفير فرص العمل وسواها.عمر كوش
كاتب سوريالعربي الجديد
copy short url   نسخ
26/02/2021
201