+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
السّتر تغطية الشّيء، يقال: سترت الشّيء فاستتر أي غطّيته فتغطّى، كما يقال: تستّر أي تغطّى (في هذا المعنى) ويقال أيضا: ستر الشّيء سترا وسترا: أخفاه، والسّتر والسّترة ما يستتر به، قال تعالى: ( لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً)، وجمع السّتر أستار، وستور، وستر، ويقال امرأة ستيرة أي ذات ستارة، وجارية مستّرة أي مخدّرة، وقول الله- عزّ وجلّ-: (حِجاباً مَسْتُوراً) أي حجابا على حجاب، والأوّل مستور بالثّاني يراد بذلك كثافة الحجاب، ويقال إنّه مفعول بمعنى فاعل أي ساتر كما في قوله سبحانه: ( إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) أي آتيا. وفي الحديث الشّريف: «إنّ الله حييّ ستير يحبّ السّتر» فعيل هنا بمعنى فاعل أيضا، أي من شأنه وإرادته، حبّ السّتر والصّون. والسّتر أيضا: الحياء، يقال: ما لفلان ستر ولا حجر، فالسّتر الحياء، والحجر العقل.
وورد السّتير والسّتّير صفة للمولى- عزّ وجلّ- قال ابن الأثير في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله حييّ ستير يحبّ الحياء والسّتر» ستير: فعيل بمعنى فاعل، أي من شأنه وإرادته حبّ السّتر والصّون».
وقد أورد النسائيّ صيغة أخرى في هذه الصّفة وهي ستّير بتشديد التّاء مكسورة وذلك في قوله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الّذي رواه عطاء عن يعلى «إنّ الله- عزّ وجلّ- حليم حييّ ستّير... الحديث» قال الإمام السّنديّ في الحاشية: معناه أنّه- عزّ وجلّ- تارك للقبائح، ساتر للعيوب والفضائح، يحبّ الحياء والسّتر من العبد؛ ليكون متخلّقا بأخلاقه تعالى وقد روى أبو داود مثل ذلك ولم يذكر (حليم).
وقال المنذريّ: السّتر على المسلم تغطية عيوبه، وإخفاء هناته. وقال ابن حجر: معنى قوله «ستر مسلما» أي رآه على قبيح فلم يظهره للنّاس، وليس في هذا ما يقتضي ترك الإنكار عليه فيما بينه وبينه، ومن السّتر أيضا: أن يستتر الإنسان إذا وقع منه شيء.
قال ابن حجر: والّذي يظهر أنّ السّتر محلّه في معصية قد انقضت، والإنكار في معصية قد حصل التّلبّس بها فيجب عليه الإنكار وإلّا رفعه إلى الحاكم.
ويذكر الإمام النّوويّ: المراد بالسّتر السّتر على ذوي الهيئات ونحوهم ممّن ليس معروفا بالأذى والفساد، فأمّا المعروف بذلك، فيستحبّ ألّا يستر عليه إلى وليّ الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة؛ لأنّ السّتر على هذا يطمعه في الإيذاء والفساد... وأمّا جرح الرّواة والشّهود والأمناء على الصّدقات والأوقاف والأيتام ونحوهم، فلا يحلّ السّتر عليهم إذا رأى منهم ما يقدح في أهليّته، وليس هذا من الغيبة المحرّمة بل من النّصيحة الواجبة.
وقال الكفويّ في الكلّيّات: الغفران يقتضي إسقاط العقاب، وقيل الثّواب، ولا يستحقّه إلّا المؤمن، ولا يستعمل إلّا في الباري- عزّ وجلّ-، أمّا السّتر فهو أخصّ من ذلك إذ يجوز أن يستر ولا يغفر والغفران لا يكون إلّا في الآخرة (أمّا السّتر فيكون في الدّنيا أيضا).
وقال أبو هلال: الغفران أخصّ. وهو يقتضي إيجاب الثّواب، والسّتر سترك الشّيء بستر، ثمّ استعمل في الإضراب عن ذكر الشّيء، فيقال: ستر فلان إذا لم يذكر ما اطّلع عليه من عثرات، وستر الله عليه خلاف فضحه، ولا يقال لمن يستر عليه في الدّنيا إنّه غفر له، لأنّ الغفران ينبأ عن استحقاق الثّواب على ما ذكرنا، ويجوز أن يستر في الدّنيا على الكافر والفاسق.
لذا من فوائد الستر إن العبد إذا فعل المعصية واسترجع ستره الله في الدّنيا وذكّره بها في الآخرة ثمّ عفا عنه. فهو يطفأ نار الفساد المتأجّجة في المجتمع، والسّاتر لعيوب النّاس يرى في نفسه سعادة وسرورا، والسّتر علاج اجتماعي جميل يختفي تحته كثير من أمراض المجتمع ثمّ لا تنتشر.
اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك.
{ أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
copy short url   نسخ
25/02/2021
694