+ A
A -
خالد وليد محمود
كاتب عربي
إن فقدت مكان البذور التي بذرتها يوما ما، سيخبرك المطر أين زرعتها؛ لذا ابذر الخير فوق أي أرض وتحت أي سماء ومع أي شخص، فأنت لا تعلم أين تجده ومتى تجده! (ازرع جميلا ولو في غير موضعه.. فلن يضيع جميل أينما زرعا)؛ فقد تجد جزاء العطاء في الدنيا أو يكون لك ذخرا في الآخرة. لا تسرق فرحة أحد، ولا تقهر قلب أحد. أعمارنا قصيرة.. فالبصمة الجميلة تبقى وإن غاب صاحبها.
ما تقدّم رسالة لطيفة وصلتني ذات صباح باكر عبر «واتساب» قرأتها مرات عديدة وتأملت فيها وأردت أن أشارككم بها وأن تكون موضوع مقالي بزاويتي هذه.
وفي هذا السياق، يحكى أن سيدة أوروبية عجوزا تركب القطار كل يوم من منزلها حتى يصل القطار إلى آخر محطاته، ثم تعود إلى بيتها، وكان معها كيس فيه بذور تلقيها على الطريق الذي يمر به القطار. كان المشهد يتكرر يوميا، فسألها أحد الركاب الذين يسافرون معها: ماذا تصنعين يا سيدتي؟ قالت: أنا أرمي بذور الزهور على طريق القطار، قال: ولماذا؟ قالت: لأنني أرى الطريق موحشة، وأتمنى أن أشاهد طريق القطار كله مملوءا بألوان الزهور الجميلة.
قال لها: لكنها تحتاج إلى الماء وسيضيع معظمها. قالت: أعلم أن بعضها لن ينبت وسيضيع؛ ولكني أراهن على نزول المطر الذي سيحيي البذور وينبت الزهور، وأنا أعمل ما عليّ، تاركة الباقي على الله.
نزل الرجل من القطار وهو يقول لنفسه: هذه المرأة مجنونة، فكيف ستنمو هذه البذور على حافتي الطريق؟
مرت أيام طويلة، فوجئ الرجل بعدها أن زهورا كثيرة بدأت تظهر على جانبي القطار، فتغيّر مظهر الطريق، وأصبح بديعا رائعا. بحث عن السيدة العجوز في القطار كله عدة أيام فلم يجدها، سأل عنها فقيل له: ماتت منذ فترة.
ما أجمل أن نزرع الخير في كل وقت وفي كل مكان. نعم البصمة الجميلة هي الأثر الباقي وإن غاب صاحبها. وما أجمل أن ننتقي كلماتنا ‏ونتلطّف بأفعالنا، وألا نؤلم أحدا، ونقول للناس حسنا.. سنرحل ويبقى الأثر! والله من وراء القصد.
copy short url   نسخ
24/02/2021
1977