+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
ذكر بعض المفسّرين أنّ اليأس في القرآن على وجهين: أحدهما: القنوط: ومنه قوله تعالى: (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ). وإنّما عبّر باليأس عن القنوط، لأنّ القنوط ثمرة اليأس.
والثاني: العلم: ومنه قوله تعالى: (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً): أي أفـــــلم يعلـــــموا قـــــــال الفيروز آبادي والفرّاء في هذه الآية: أفلم يعلم قـــــــــال: وهو في المعنى على تفسيرهم لأنّ الله تعالى قد أوقع إلى المؤمنـــــين أن لو شاء لهدى النّاس جميعا، فـــــقال: أفلم ييأسوا علما، يقـــــول يؤيسهم العلم فيه مضمرا، كـــما تقول في الكلام: قد يئست منك ألّا تفلح، كأنّك قلت: قد علمته علما، وقيل معناه: أفلم ييأس الّذين آمنوا من إيمان من وصفهم الله تعالى بأنّهم لا يؤمنون، وقال القرطبيّ: والمعنى على ذلك: أفلم يعلم الّذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى النّاس جميعا من غير أن يشاهدوا الآيات، وقيل هو من اليأس المعروف (أي انقطاع الرّجاء) ويكون المعنى أفلم ينقطع رجاء المؤمنين من إيمان هؤلاء الكفّار لعلمهم أنّ الله تعالى لو أراد هدايتهم لهداهم. أمّا قوله سبحانه: (كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) فالمعنى: انقطع رجاء الكفّار في قبورهم من رحمة الله تعالى لأنّهم آمنوا بالغيب بعد الموت فلم ينفعهم إيمانهم حينئذ، وقيل: كما يئسوا أن يحيوا ويبعثوا.
وفي حديث أمّ معبد في صفته صلّى الله عليه وسلّم: «ربعه لا يأس من طـــــــول» قال ابن الأثير: معناه أنّه لا يؤيس من طوله، لأنّه صلّى الله علـــــــيه وسلّم كان إلى الطــــول أقرب منه إلى القصر. وقولهـــم: أيأسته وآيسته من كذا: قنّطته. وقال ابن منظور: اليأس: قطع الأمل، والقنوط. وهو نقيض الرّجاء، يقال: يئس من الشّيء ييأس. والمصدر اليأس، واليأسة واليأس. وآيسه فلان من كذا فاستيأس منه بمعنى أيس.
أما الفرق بين اليأس والقنوط والخيبة: قال أبو هلال العسكريّ: الفرق بين اليأس والقنوط والخيبة: أنّ القنوط أشدّ مبالغة من اليأس، وأمّا الخيبة فلا تكون إلّا بعد الأمل. إذ هي امتناع نيل ما أمّل، وأمّا اليأس فقد يكون قبل الأمل وقد يكون بعده، والرّجاء واليأس نقيضان يتعاقبان تعاقب الخيبة والظّفر، ويستفاد ممّا ذكره ابن حجر: أنّ اليأس ألّا يأمل في وقوع شيء من الرّحمة وأنّ القنوط تصميم على عدم وقوعها.
وعدّ ابن حجر اليأس من رحمته تعالى من الكبائر مستدلّا بقوله سبحانه: (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) وبعد أن ذكر عددا من الأحاديث المبشّرة بسعة رحمته- عزّ وجلّ- قال: عدّ هذا كبيرة هو ما أطبقوا عليه، وهو ظاهر، لما فيه من الوعيد الشّديد.
فاليأس دليل الضّعف في الدين وعدم اليقين، فهو تعب وعناء بلا فائدة، كذلك اليائس من رحمة الله كافر، هو آية السّخط على قدر الله، فيضـــعف القوى ويقتل الأجساد.

[email protected]
copy short url   نسخ
21/02/2021
5002