+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
سوء الخلق: عبارة عن هيئة راسخة في النفس تصدر عنها الأفعال القبيحة بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر ورويّة. قال تعالى: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها).
ويرى ابن تيميّة في نظرته الخلقيّة، أنّ مفهوم الأخلاق يرتبط بالإيمان، وما ينبثق عنه. ومن ثمّ يقوم هذا المفهوم عنده على عدّة عناصر وهي: الإيمان بالله وحده خالقا ورازقا بيده الملك. ومعرفة الله- سبحانه وتعالى- معرفة تقوم على أنّه وحده- سبحانه- المستحقّ للعبادة. وحبّ الله- سبحانه وتعالى- حبّا يستولي على مشاعر الإنسان بحيث لا يكون ثمّة محبوب مراد سواه سبحانه. وهذا الحبّ يستلزم أن تتوحّد إرادة الخالق والمخلوق في اتّجاه واحد هو تحقيق رضا الله- سبحانه وتعالى- والالتزام بتحقيق هذا الرّضا في كلّ صغيرة وكبيرة من شؤون الحياة. وهذا يستلزم من الإنسان سموّا في أخلاقه، وترفّعا عن الأنانية وعن الأهواء، وعن المآرب في الدّنيا. ويأتي العمل بعد ذلك محقّقا أو في طريق بلوغ الكمال الإنسانيّ. والأمر كذلك فإنّه إذا لم تتحقّق هذه الشّروط الموضوعيّة فإنّ النّاتج عن الإنسان يكون خلقا سيّئا؛ لأنّه تعبير عن الإيمان بالله وتعبير عن الرّؤية الموضوعيّة للأشياء والحقائق. وعلى هذا يكون الخلق السّيّىء فعلا إنسانيّا لا ترتبط فيه الأفعال بالطّاعة، أي أنّه فعل تنفصل فيه الطّاعة عن الأخلاق، ويصبح الفعل شكليّا أو مظهريّا. كما أنّه فعل لا يدرك الغائيّة الخلقيّة، من حيث إنّها تهدف إلى تحقيق سعادة الإنسان في الدّنيا والحياة الآخرة، الأمر الّذي يجعل العمل الّذي يقوم به الإنسان فاقدا لقيمته الخلقيّة ودلالته الإنسانيّة، كما أنّ هذا الفعل فاقد للتّمحيص والتّدقيق اللّازمين كي يكون موافقا لما أمر الله سبحانه وندب إليه في وقته الملائم والمناسب. وفي هذا الوضع يكون هذا العمل استجابة لا خلقيّة، وبذا يكون صاحبه متّصفا بسوء الخلق.
يقول الجاحظ ما خلاصته: إنّ الأخلاق المذمومة موجودة في كثير من النّاس، غالبة عليهم، مالكة لهم، بل قلّما يوجد فيهم من يخلو من خلق سيّىء أو مكروه، ويسلم من جميع العيوب، ولكنّهم يتفاضلون في ذلك، وكذلك في الأخلاق المحمودة قد يختلف النّاس ويتفاضلون، إلّا أنّ المجبولين على الأخلاق الحسنة قليلون جدّا، وأمّا المجبولون على الأخلاق السّيّئة فأكثر النّاس وما ذلك إلّا لأنّ الإنسان إذا استرسل مع طبعه، ولم يستعمل الفكر ولا التّمييز، ولا الحياء ولا التّحفّظ، كان الغالب عليه أخلاق البهائم، لأنّ الإنسان إنّما يتميّز على البهائم بالفكر والتّمييز؛ فإذا لم يستعملهما كان مشاركا للبهائم في عاداتها، ولمّا كان النّاس مطبوعين على الأخلاق السّيّئة منقادين للشّهوات الرّديئة، وقع الافتقار إلى الشّرائع والسّنن، والسّياسات المحمودة.
فالخلق السّيّىء، خلق فاسد متّصف بالشّرّ، لا يتّفق مع الواجبات الدّينيّة والخلقيّة، ولا يتّفق مع ما شرع الله أمرا، ونهيا، وهو فعل منكر، وسلوك غير صالح، وهذا ناتج عن مرض القلب.
{ أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
copy short url   نسخ
14/02/2021
3675