+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
التّطهّر والتّطهير: التّنزّه والكفّ عن الإثم وما لا يجمل، ورجل طاهر الثّياب أي منزّه. قال الرّاغب: الطّهارة ضربان: طهارة جسم وطهارة نفس، ولكلّ معناه الاصطلاحيّ فطهارة النّفس: ترك الذّنب والعمل للصّلاح وتنقية النّفس من المعايب. وطهارة الجسم: رفع حدث أو إزالة نجس أو ما في معناهما وعلى صورتهما.
وقال المناويّ: الطّهارة شرعا صفة حكميّة توجب أن تصحّح للموصوف صحّة الصّلاة به أو فيه أو معه.
وقال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى-: ذكر أهل التّفسير أنّ الطّهارة في القرآن على أوجه منها: الطّهارة من الذّنوب، ومنه قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها). وقوله تعالى: (فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ). كذلك الطّهارة من الأوثان، ومنه قوله تعالى:( أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ).
ومنها: الحلال، ومنه قوله تعالى: (هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) أي أحلّ. ومنها: طهارة القلب من الرّيبة، ومنه قوله تعالى: (ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ) يريد: أطهر لقلب الرّجل والمرأة من الرّيبة، وفي أقوله تعالى:( ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) أي من الرّيبة والدّنس. ومنها: الطّهارة من الفاحشة، ومنه قوله تعالى:( يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ)، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: أن للطّهارة أنواعا: منها الطّهارة من الكفر والفسوق، كما يراد بالنّجاسة ضدّ ذلك كقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)، ومنها: الطّهارة من الحدث وضدّ هذه نجاسة الحدث. ومنها: الطّهارة من الأعيان الخبيثة الّتي هي نجسة.
وذكر ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: أن المراد من قوله تعالى (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) الآية تعمّ كلّ ما ذكره ابن تيميّة سابقا، إن كان طهارة القلب، فطهارة الثّوب، وطيب مكسبه تكميل لذلك، فإنّ خبث الملبس يكسب القلب هيئة خبيثة، كما أنّ خبث المطعم يكسبه ذلك، ولذلك حرّم ما حرّم من اللّباس، لما تكسب القلب من الهيئة المشابهة لتلك الحيوانات الّتي تلبس جلودها، فإنّ الملابسة الظّاهرة تسري إلى الباطن. والمقصود أنّ طهارة الثّوب وكونه من مكسب طيّب وهو من تمام طهارة القلب وكمالها، فإن كان المأمور به ذلك فهو وسيلة مقصودة لغيرها. فالمقصود لنفسه أولى أن يكون مأمورا به، وإن كان المأمور به طهارة القلب وتزكية النّفس، فلا يتمّ إلّا بذلك. والله سبحانه بحكمته جعل الدّخول إلى جنّته موقوفا على الطّيب والطّهارة، فلا يدخلها إلّا طيّب طاهر، فهما طهارتان: طهارة البدن، وطهارة القلب.
وقال الفيروز آباديّ- رحمه الله تعالى-: الطّهارة ضربان: جسمانيّة، ونفسانيّة وحمل عليهما عامّة الآيات. وقوله تعالى:(وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) أي استعملوا الماء أو ما يقوم مقامه. وقال تعالى:(وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ) وقوله تعالى: (وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا). أي مخرجك من جملتهم ومنزّهك أن تفعل فعلهم. وقيل في قوله تعالى: (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) يعني به تطهير النّفس أي إنّه لا يبلغ حقائق معرفته إلّا من يطهّر نفسه من درن الفساد والجهالات والمخالفات. وقوله تعالى:( وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) أي مطهّرات من درن الدّنيا وأنجاسها. وقيل من الأخلاق السّيّئة، بدلالة قوله تعالى:( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) قيل معناه: نفسك نزّهها عن المعايب. وقيل: طهّره عن الأغيار (يعني القلب)، وتطهّر من الإثم: تنزّه منه. وهو طاهر الثّياب: نزه من مدانس الأخلاق.
وقال الجرجانيّ: الطّاهر من عصمه الله- تعالى- من المخالفات، وطاهر الظّاهر: من عصمه الله- تعالى- من المعاصي. وطاهر الباطن: من عصمه الله تعالى من الوساوس والهوامس. وطاهر السّرّ: من لا يغافل عن الله- تعالى- طرفة عين. وطاهر السّرّ والعلانية: من قام بتوفية حقوق الحقّ والخلق جميعا لسعته برعاية الجانبين.
فالطّهارة عامّة في كلّ ما يتّصل بالمسلم من مسجده وثوبه وبيته وسوقه وغير ذلك، لذا الطّهارة وسيلة هامّة من وسائل الوقاية من الأمراض، ومن المعروف أنّ الوقاية خير من العلاج.
أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
copy short url   نسخ
09/02/2021
1706