+ A
A -
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
الرّدّ: صرف الشّيء بذاته أو بحالة من أحواله، ومن الرّدّ بالذّات قوله تعالى: (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) ومن الرّدّ إلى حالة كان عليها قوله سبحانه: (وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ) والارتداد والرّدّة:
الرّجوع؛ لكن الرّدّة تختصّ بالرّجوع إلى الكفر، والارتداد يستعمل فيه وفي غيره، وقول الله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) الارتداد هو الرّجوع من الإسلام إلى الكفر.
وقال الطّبريّ: من يرجع منكم عن دينه الحقّ الّذي هو عليه اليوم فيبدّله ويغيّره بدخوله في الكفر، إمّا في النّصرانيّة أو اليهودية أو غير ذلك من صنوف الكفر، وقال القرطبيّ: كانت ردّتهم على قسمين:
قسم نبذ الشّريعة كلّها وخرج عنها، وقسم نبذ وجوب الزّكاة واعترف بوجوب غيرها والارتداد: الرّجوع ومنه المرتدّ.
وقال الكفويّ: الرّدّة: الرّجوع في الطّريق الّذي جاء منه، وكذا الارتداد؛ لكنّ الرّدّة تختصّ بالكفر وهو (أي الارتداد) أعمّ.
وذكر ابن قدامة: هي الإتيان بما يخرج عن الإسلام إمّا نطقا أو اعتقادا أو شكّا ينقل عن الإسلام.
أمّا المرتدّ فهو الرّاجع عن دين الإسلام.
وقد قسّم بعض العلماء الرّدّة إلى أقسام أربعة: وهي ردّة في الاعتقاد، وردّة في الأقوال، وردّة في الأفعال، وردّة في التّرك. قال: ومن نافلة القول أنّ هذه الأقسام قد تتداخل، فمن اعتقد شيئا فقد يعبّر عنه بلسانه أو بعمل من أعماله وبذلك تتداخل هذه الأقسام.
أما الحكم في ذلك قال ابن قدامة: من ارتدّ عن الإسلام من الرّجال والنّساء وكان بالغا عاقلا دعي إليه ثلاثة أيّام، وضيّق عليه، فإن رجع (فبها ونعمت) وإلّا قتل.
لقد كان موقف أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- من المرتدّين هو التّطبيق العمليّ لتنفيذ حكم الله فيهم، يقول الطّبريّ: عقد أبو بكر أحد عشر لواء، عقد لخالد بن الوليد وأمره بطليحة بن خويلد (المرتدّ الكذّاب)، فإذا فرغ سار إلى مالك بن نويرة. ولعكرمة ابن أبي جهل وأمره بمسيلمة (الكذّاب)، وللمهاجر ابن أميّة وأمره بجنود العنسيّ (من المرتدّين في اليمن).
وقد كتب إليهم مع القادة المسلمين كتابا جاء فيه: «قد بلغني رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أن أقرّ بالإسلام وعمل به، اغترارا بالله تعالى، وجهالة بأمره، وإجابة للشّيطان...، وإنّي بعثت إليكم فلانا في جيش من المهاجرين والأنصار والتّابعين لهم بإحسان وأمرته ألّا يقاتل أحدا ولا يقتله حتّى يدعوه إلى داعية الله، فمن استجاب له وأقرّ وكفّ وعمل صالحا، قبل منه ذلك وأعانه عليه، ومن أبى أمرت أن يقاتله على ذلك، ثمّ لا يبقي على أحد منهم قدر عليه، وأن يحرقهم بالنّار ويقتلهم كلّ قتلة، وأن يسبي النّساء والذّراريّ ولا يقبل من أحد إلّا الإسلام، فمن اتّبعه فهو خير له، ومن تركه فلن يعجز الله، وقد أمرت رسولي أن يقرأ كتابي في كلّ مجمع لكم، والدّاعية الأذان، فإذا أذّن المسلمون فأذّنوا كفّوا عنهم، وإن لم يؤذّنوا عاجلوهم، وإن أذّنوا اسألوهم ما عليهم، فإن أبوا عاجلوهم وإن أقرّوا قبل منهم وقد عهد -رضي الله عنه- إلى الأمراء بأن «يمنع كلّ قائد أصحابه من العجلة والفساد، وأن لا يدخل في جنوده حشوا حتّى يعرفهم ويعلم ما هم، (حتّى) لا يكونوا عيونا، ولئلّا يؤتى المسلمون من قبلهم.
لقد كان لحزم أبي بكر -رضي الله عنه- وصلابته في التّعامل مع هؤلاء المرتدّين أثره الواضح في استئصال شأفة الرّدّة من جميع أنحاء بلاد العرب، وحفظ بذلك وحدة الأمّة ووقاها من الهلكة، يقول ابن مسعود -رضي الله عنه- «لقد قمنا بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقاما كدنا نهلك فيه لولا أنّ الله منّ علينا بأبي بكر، عزم الله له على قتال المرتدّين، فو الله ما رضي منهم إلّا بالخطّة المجزية أو الحرب المجلية»، نعم لقد أخزى الله المرتدّين على يديه ولم ينج منهم إلّا من هرب هائما على وجهه خاسرا الدّنيا والآخرة.
د. فاطمة سعد النعيمي
أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
[email protected]
copy short url   نسخ
03/02/2021
2308