+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
الذل يدل على الخضوع والاستكانة واللين، فالذل ضد العز، قال الراغب: الذل ما كان عن قهر. يقال: ذل يذل ذلا، والذل (بالكسر) ما كان بعد تصعب، وقول الله تعالى: (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِ مِنَ الرَحْمَةِ)، أي كن كالمقهور لهما، وقريء جَناحَ الذل أي لن، وانقد لهما.
قال القرطبي: الذل هو اللين، وقال الطبري: المعنى أن تلين لهما حتى لا تمتنع من شيء أحباه. والذل: الخسة. وأذله واستذله كله بمعنى واحد، وتذلل له أي خضع. وفي أسماء الله تعالى: المذل؛ هو الذي يلحق الذل بمن يشاء من عباده وينفي عنه أنواع العز جميعها. وفي التنزيل العزيز: (سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُنْيَا) قيل: الذلة ما أمروا به من قتل أنفسهم، وقيل الذلة هي الهوان لعقوبة الله إياهم على كفرهم بربهم وذلك بقتل (اليهود) بعضهم بعضا.
قال المناوي: الذل (بالضم) ما كان عن قهر، و(بالكسر) ما كان عن تصعب بغير قهر. وقال الكفوي: الذل (بالكسر) في الدابة ضد الصعوبة، وبالضم في الإنسان ضد العز؛ لأن ما يلحق الإنسان أكثر قدرا مما يلحق الدابة، وقيل الذل (بالضم) ما كان عن قهر، (وبالكسر) ما كان عن تصعب، والذليل في الناس هو الفقير الخاضع المهان.
وأما الذل بين المدح والذم: قال الراغب: الذل متى كان من جهة الإنسان نفسه لنفسه فمحمود، نحو قوله تعالى: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) وقال تعالى: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ)، وفيما عدا ذلك يكون مذموما لأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
ومن معاني كلمة «الذل» في القرآن الكريم: أحدها: القلة ومنه قوله تعالى: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ). والثاني: التواضع ومنه قوله تعالى: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)، وفي قوله تعالى: (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِ مِنَ الرَحْمَةِ). والثالث: السهولة ومنه قوله تعالى: (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا)، وقوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ).
لذا الذليل غير مهيب فردا كان أو دولة، فالذليل ضعيف الهمة لا عزيمة عنده يدفع بها الهوان عن نفسه، يمقته أفراد مجتمعه وينبذونه، وسبب الذل ارتكاب المعاصي وعدم التمسك بأخلاق الإسلام، يتبع الباطل في الحياة الدنيا يعرض على النار ذليلا في الآخرة.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئ الأخلاق فإنه لا يصرف سيئ الأخلاق إلا أنت.
{ أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
copy short url   نسخ
31/01/2021
810