+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
الخيانة هي الاستبداد بما يؤتمن الإنسان عليه من الأموال والأعراض والحرم، وتملّك ما يستودع ومجاحدة مودعه، وفيها أيضا طيّ الأخبار إذا ندب لتأديتها، وتحريف الرّسائل إذا تحمّلها فصرفها عن وجوهها.
وقال المناويّ: الخيانة: هي التّفريط في الأمانة، وقيل: هي مخالفة الحقّ بنقض العهد في السّرّ.
وقال الكفويّ: إنّ الخيانة تقال اعتبارا بالعهد والأمانة، وخيانة الأعين: ما تسارق من النّظر إلى ما لا يحلّ.
وقال ابن الجوزيّ: الخيانة: التّفريط فيما يؤتمن الإنسان عليه. ونقيضها: الأمانة.
وقال القرطبيّ: الخيانة: الغدر وإخفاء الشّيء، ومنه (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ).
فالفرق بين النفاق والخيانة: قال الرّاغب: الخيانة والنّفاق واحد، إلّا أنّ الخيانة تقال: اعتبارا بالعهد والأمانة، والنّفاق يقال: اعتبارا بالدّين، ثمّ يتداخلان. فالخيانة: مخالفة الحقّ بنقض العهد في السّرّ. ونقيض الخيانة الأمانة. يقال: خنت فلانا وخنت أمانة فلان. قال تعالى: (لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ).
ومن معاني كلمة «الخيانة» في القرآن الكريم: أحدها: المعصية، ومنه قوله تعالى: (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) قال ابن قتيبة: تخونونها بالمعصية.
والثّاني: نقض العهد. ومنه قوله تعالى في الأنفال: (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ).
والثّالث: ترك الأمانة. ومنه قوله تعالى في النّساء: (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً). (نزلت في طعمة بن أبيرق المنافق كان عنده درع فخانها).
والرّابع: المخالفة في الدّين. ومنه قوله تعالى في التّحريم: (كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما).
وزاد ابن سلّام وجها خامسا فقال: والخيانة تعني الزّنا في قوله تعالى: (وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ).
لذا عدّ الإمام الذّهبيّ الخيانة من الكبائر بدليل قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «آية المنافق ثلاث، إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان» ولقوله أيضا «أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك».
وقال: الخيانة قبيحة في كلّ شيء، وبعضها شرّ من بعض، وليس من خانك في فلس كمن خانك في أهلك ومالك وارتكب العظائم.
أمّا ابن حجر فقد ذكر: أنّ الخيانة في الأمانات والوديعة والعين المرهونة والمستأجرة أو غير ذلك من الكبائر، وقال: عدّ ذلك كبيرة هو ما صرّح به غير واحد، وظاهر ممّا ذكر في الآيات والأحاديث.
فالخيانة داء وبيل إذا استشرى بالإنسان جرّده من إنسانيّته وجعله وحشايهيم وراء ملذّاته، فهي طريق موصل إلى العار في الدّنيا والنّار في الآخرة.
{ أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
[email protected]
copy short url   نسخ
27/01/2021
850