+ A
A -
خالد وليد محمود
كاتب عربي
مما قرأت للكاتب الراحل أحمد خالد توفيق، قوله: إن أمي كانت ستنتحر فورا لو ظل زر قميص أبي ناقصا لفترة تتجاوز الساعة، بل ربما انتحرت لو أن أبي طلب الشيء قبل أن تلاحظه هي.. أبي لم يكن يعرف عدد جواربه أو شكلها، لكن أمي كانت تعرف تاريخ كل جورب.. من أين اشتريناه، ومتى رتقته، ومتى غسلته.. أمي لم تكن طبيبة ولم تكن تتحدث اللاتينية والفرنسية لكنها عرفت كيف تصنع أسرة سعيدة متماسكة.. أبي لم يكن طاغية، لكنه لم يكن يطلب الطلب مرتين.. إن الرجل يعيش من أجل عمله، بينما المرأة تعيش من أجل بيتها.. وأية محاولة لتبديل الأوضاع كفيلة بخراب مالطا!
رسمت لنا كلمات الكاتب المبدع صورة لطالما قلّ نظيرها في أيامنا عن «الزمن الجميل»، أو ما أحبّ أن أسمّيه «جيل الطيبين» للأمهات اللاتي ساهمن في صناعة الحب والحياة، أمهات نثرن على رأس الحياة حفنة من أهازيج السعادة التي لم تخب يوماً؛ فكانت تخرج أصواتهن واثقة، صلبة وتطغى على كلّ شيء، تماما كما يجب أن يكون صوت الفرح والانتصار.
لكأن شكل الأمهات اليوم قد تغير؟ وهل يصادف أحدنا أمّا ممسكة بعكازة العمر، وتسابق الزمن بطلاقة لسانها وحكمتها وفصاحتها، وقوة حججها ومنطقها، ويفيض عنها كل مخزون الحب والحنان، وفوق هذا تكرّس كل طاقتها وما أوتيت من قوة في رعاية أسرتها، وتقدمهم إيثارا على ذاتها حتى تكاد تنسى نفسها.
أعدّ نفسي من ذاك الجيل الذي كان شاهدا على الأم التي عاشت في زمن (البساطة) الجميلة، وكابدت فيه الكثير من الظروف العصيبة، ولكن لم يمنعها ذلك من استشعار السعادة بإسعاد الآخرين، فهي نفسها الأم التي كانت أول من يصحو في العائلة، وآخر من ينام.
copy short url   نسخ
27/01/2021
236