+ A
A -
إسطنبول- الأناضول- يشهد الملف السوري، حالة من الترقب الحذر بانتظار الخطوات الأولى التي ستتخذها الإدارة الأميركية الجديدة، فيما تلوح ثمة مؤشرات على أن إدارة الرئيس جو بايدن، ستتجه لتبني استراتيجية مختلفة عن إدارة سابقه دونالد ترامب، حيث ستعمل على استعادة الدور الأميركي في سوريا، بعد تراجعه بشكل كبير خلال المرحلة السابقة.
سيمثل استمرار دعم ميليشيات «ب ي د» الإرهابية، والوجود الإيراني في سوريا، وتمركز روسيا على البحر المتوسط، والعلاقة مع أنقرة، محور التعاطي الأميركي مع القضية السورية، وقد تتبنى إدارة بايدن إجراءات أكثر خشونة ضد القوات الإيرانية المنتشرة على الأراضي السورية، وضد النفوذ الروسي أيضا.
الميول والتوجهات السياسية لطاقم بايدن
عموما، لا تحدث تغييرات جذرية على صعيد السياسات الخارجية الأميركية باختلاف الرؤساء والأحزاب، فالإدارات الأميركية على تنوعها تخضع لاستراتيجيات موحدة بعيدة المدى، مرتبطة بمصالح قومية عليا ثابتة للبلاد، والقول الفصل في المحصلة يكون للمؤسسات وليس للأشخاص، وتعتبر فترة ترامب حالة فريدة في التاريخ الأميركي.
مع ذلك، يبقى للرئيس وإدارته هوامش كثيرة تسمح بحيز واسع من التغييرات في الداخل والخارج، وتكتسب هذه الهوامش أهمية إضافية، عندما يتعلق الأمر بإحداث تغييرات ملموسة في مسار البوصلة الأميركية، بالنسبة لدول كثيرة، دون أن يؤثر ذلك على المصالح الكبرى للولايات المتحدة.
الرئيس جوزيف بايدن، خلال حملته الانتخابية، ولقاءاته مع الجاليات الإسلامية في أميركا، عبر عن بالغ حزنه عما يعانيه الشعب السوري، والمسلمون الأيغور الصينيين، والروهنغيا، وتعهد برفع الظلم والجور عنهم، مستشهدا بالحديث النبوي الشريف، «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه..».
صحيح أنها وعود انتخابية هدفها كسب أصوات الناخبين، إلا أنها إلى جانب العمل الدؤوب والمطالبات المستمرة من طرف الجاليات المسلمة، والسورية منها خصوصا، سوف تشكل قوة/ لوبي ضغط مؤثرة على القرارات ذات الصلة بالقضية السورية.
نائب الرئيس كمالا هاريس، في مناظرة رئاسية في نوفمبر الماضي، هاجمت النائبة تولسي غابارد لرفضها وصف رأس النظام بشار الأسد بـ «مجرم حرب»، وقالت هاريس في تلك المناظرة: «هذا يأتي من شخص كان مدافعًا عن الأسد، الذي قتل الناس في بلاده مثل الصراصير»، مضيفة «هي تدافع عنه وترفض وصفه بمجرم حرب».
وفي أعقاب الضربة الأميركية لنظام الأسد والتي استهدفت مطار الشعيرات وعدة مواقع للنظام عام 2017 ردا على هجوم خان شيخون الكيماوي، أصدرت هاريس بيانا قالت فيه: «بشار الأسد هاجم المدنيين الأبرياء بشراسة، بمن فيهم عشرات الأطفال، الذين ماتوا اختناقا بالأسلحة الكيماوية، وهذا الهجوم يعزز الحقيقة الواضحة بأن الأسد ليس فقط دكتاتورا لا يرحم، يعامل شعبه بوحشية، بل إنه مجرم حرب لا يمكن للمجتمع الدولي تجاهله».
وزير الخارجية أنتوني بلنكن، عمل في مجلس الأمن القومي خلال إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، قبل أن يصبح مديراً للموظفين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، عندما كان بايدن رئيساً للجنة، ثم عاد في السنوات الأولى من إدارة أوباما، إلى مجلس الأمن القومي، قبل أن ينتقل إلى وزارة الخارجية ليعمل كنائب لوزير الخارجية جون كيري.
وفي معرض انتقاده لسياسة ترامب في سوريا، صرح بلنكن قائلا: «فشلنا في منع وقوع خسائر مروعة في الأرواح وفي منع النزوح الجماعي للناس داخليًا في سوريا، وبالطبع في الخارج كلاجئين».
وأضاف: «في الوقت الذي كان لدى الولايات المتحدة نفوذ ما متبقي في سوريا لمحاولة تحقيق بعض النتائج الإيجابية، لسوء الحظ، قامت إدارة ترامب بتحويل ذلك إلى حد ما للانسحاب بالكامل في سوريا».
صحيح أن بلنكن كان مهندس الاتفاق النووي الإيراني، الذي تسعى طهران لإحيائه من جديد، إلا أنه كان بنفس الوقت من دعاة توجيه ضربة عسكرية لبشار الأسد، بعد تخطيه خطوط أوباما الحمراء.
وصرح بلنكن وقتها أنه ضد وضع الخطوط الحمراء. لكن «أما وقد وضعت، فمن المفروض التصرف بموجبها، حفاظا على هيبة الولايات المتحدة»، لذلك وجه بلنكن انتقاداته لإدارة أوباما التي تغاضت عن تخطي الأسد لتلك الخطوط وعدم اكتراثه بها.
أما بريت ماكغورك، المبعوث السابق للتحالف الدولي لقتال تنظيم داعش، الذي استقال احتجاجا على قرار ترامب أواخر 2018 بسحب القوات الأميركية من سوريا، فقد اعتبر ذلك بدوره«انقلاباً كاملاً على السياسة المرسومة سابقاً»، والآن يعود للمشهد السوري بقوة، بعد تعيينه مستشاراً في مجلس الأمن القومي الأميركي لمنطقة الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا، من قبل بايدن.
خلال توليه منصب مبعوث التحالف الدولي، منذ 2015 حتى أواخر 2018، عُرف ماكغورك بدعمه المطلق للميليشيات الانفصالية شرقي سوريا.
ومما يجدر ذكره بهذا الخصوص أيضا، أن غالبية الطاقم القيادي الذي عينه الرئيس بايدن، وزير الدفاع الجديد لويد أوستن، ونائبة الرئيس كامالا هاريس، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جاك سوليفان، لهم مواقف مناهضة وحادة من بشار الأسد بشكل شخصي، ومن نظام حكمه «القمعي» بشكل عام.
تطبيق قانون «قيصر»
منذ اعتماده قبل عام تقريبا، أصبح «قانون قيصر»، قانوناً أمريكياً نافذاً، وعابراً للتوجهات السياسية للإدارات الحاكمة، ديمقراطيين وجمهوريين على حد سواء. وبموجبه طبقت إدارة ترامب عقوبات صارمة طالت نظام الأسد، وداعميه الروس والإيرانيين، والعديد من الشخصيات والمؤسسات اللبنانية.
وفي حكم المؤكد، أن تستمر إدارة الرئيس بايدن في تطبيق القانون، عبر فرض حزم إضافية من العقوبات بموجبه، وربما تذهب لجهة توسيعها لتشمل النشاط العسكري للنظام، للحد من تفكيره بالإقدام على مزيد من العمليات العسكرية ضد مناطق سيطرة المعارضة، ما سيتسبب في مزيد من الدماء والتهجير.
ورغم أن القانون يتيح للرئيس الأميركي رفع العقوبات في حال لمس جدية في التفاوض من قبل نظام الأسد، شرط وقف الدعم العسكري الروسي والإيراني، أو لأسباب أخرى تتعلق بالأمن القومي الأميركي، إلا أن هذا الخيار، في حال فكر فيه بايدن، سيكون محط نقاش ولغط كبير في الكونغرس، وسيتوجب على بايدن إقناع النواب بالأسباب الموجبة لذلك.
ملامح سياسات بايدن في سوريا
تدرك إدارة بايدن أن استمرار سوريا كدولة فاشلة، سوف يترتب عليه تداعيات خطيرة، في مقدمتها استمرار معاناة الشعب السوري، وتدفق موجات جديدة من اللاجئين إلى الدول المجاورة، وتوفير أرضية خصبة للمنظمات الإرهابية المتطرفة، واحتمال عودة الاشتباكات المسلحة بين أطراف النزاع، مما قد ينعكس سلبيا على استقرار دول الجوار.
يشكل تعهد بايدن بالعودة للاتفاق النووي الإيراني، هاجسا يؤرق السوريين خشية انعكاسه على استمرار تواجد إيران في سوريا، لكن إحياء اتفاق تم تعطيله لسنوات لن يكون سهلا، حيث هناك فرصة بأن تطالب الولايات المتحدة والدول الأوروبية إيران بالمزيد من التنازلات، خصوصا فيما يتعلق بملف برنامجها الصاروخي المثير للجدل، وكذلك دعم طهران لميليشيات مسلحة تعتبرها الولايات المتحدة وأوروبا مزعزعة للاستقرار.
إن إعادة عقارب الساعة إلى عام 2015 أمر مستحيل، وإذا فشلت الدبلوماسية مرة أخرى، فإن انتشار الأسلحة، وانهيار الاقتصاد الإيراني المحتضر قد يتبعان ذلك، وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى تبعات هامة وخطيرة على مستوى منطقة الشرق الأوسط والعالم.
يبقى الاختبار الأهم لسياسات الرئيس جو بايدن وإدارته في سوريا، مدى تعاطيه مع قرار مجلس الأمن 2254، وجديته في دفع عملية الانتقال السياسي، ومنع نظام الأسد من فرض أمر واقع، من خلال إجراء انتخابات صورية، يكتسب من خلالها شرعية زائفة تستند عليها موسكو في إطالة أمد معاناة السوريين.
copy short url   نسخ
27/01/2021
535