+ A
A -
اختيار الرئيس جو بايدن الدبلوماسي المخضرم بيل بيرنز الذي لعب دور البطولة في الاتفاق النووي الإيراني مديراً جديداً لوكالة الاستخبارات الأميركية «CIA» هو مؤشر واضح على توجهات الإدارة الجديدة، فمن هو بيرنز؟
يُعتبر بيرنز، الذي شغل مناصب مختلفة منها نائب وزير الخارجية خلال 33 عاماً قضاها داخل السلك الدبلوماسي، من أشد مؤيدي الدبلوماسية، وبصفته مديراً للوكالة سيُوجّه بيرنز ويُنسّق جهود جمع الاستخبارات الأميركية في الخارج، ويُقيّم تهديدات الأمن القومي، وينقل تقييماته إلى مدير الاستخبارات الوطنية والرئيس.
وبيرنز بلاشك خيارٌ غير معتاد، حيث إنه دبلوماسي وليس جاسوساً، وبالتالي اختياره لقيادة وكالة الاستخبارات يعكس قناعة بايدن الثابتة «بأن الاستخبارات يجب أن تكون غير مسيسة»، وهو ما قاله الرئيس المنتخب في بيان اختياره لبيرنز.
والنقطة الجيدة هي أن بيرنز يأتي إلى المنصب دون أعباء المديرين السابقين المثيرين للجدل في الوكالة، مثل استخدام التعذيب خلال السنوات التي أعقبت هجمات الـ11 من سبتمبر، بحسب تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني. وسيكون على بيرنز الحصول على موافقة مجلس الشيوخ حتى يصبح تعيينه دائماً.
توقع رفض ترامب للهزيمة
صحيح أن بيرنز، شأنه شأن كثير من المحللين والدبلوماسيين السابقين، كان من منتقدي ترامب والمحذرين من الضرر الذي أوقعته إدارة الرئيس الجمهوري الصاخب بسياسة أميركا الخارجية، إلا أنه من الأمور اللافتة عن بيرنز ما يمكن وصفه بقدرته على التوقع المبكر لرد فعل ترامب بعد خسارته الانتخابات بصورة تتفق إلى حد كبير مع ما حدث فعلاً.
فقد كتب بيرنز في مقال نشره في أغسطس الماضي: «لو خسر (ترامب)، أشك في أنه فجأة سيحتضن التقليد الحزبي بالالتزام بانتقال فعال للسلطة. في أفضل السيناريوهات، سينشغل (ترامب) بجهود تفسير هزيمته ورسم صورة تصور أن الانتخابات مزورة. وفي أسوأ الأحوال، سيسعى لتحدي أو تقويض النتيجة».
وأضاف: «مثل كل السمات الأخرى الكثيرة لحقبة ترامب، لن يشبه انتقال السلطة أي حالة سبقتها وكنت شاهداً عليها كدبلوماسي. إن تكاليف الارتباك والإشارات الملتبسة والفوضى البيروقراطية يمكن أن تكون مرتفعة للغاية».
صحيح أن الأيام أثبتت أن ما توقعه بيرنز كان أقل مما حدث فعلاً، لكن الواضح أن خبرته الطويلة كدبلوماسي مكّنته من قراءة المشهد بشكل جيد قبل أكثر من ثلاثة أشهر كاملة من إجراء الانتخابات، بحسب تقرير لشبكة CNN.
دوره في التفاوض على الاتفاق الإيراني
وخلال العقود التي قضاها في السلك الدبلوماسي، شارك بيرنز في تشكيل السياسة الأميركية تجاه العديد من الصراعات والأزمات بالشرق الأوسط، ونسّق الدبلوماسية الأميركية عادةً، ونقل الرسائل من الأرض، إذ شغل منصب السفير الأميركي في الأردن، وكان مبعوثاً إلى روسيا، ومساعداً لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، ونائباً لوزير الخارجية تحت إدارات أميركية من الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
وقد استقال من الخدمة الحكومية أواخر عام 2014، قبل أشهر من إبرام الاتفاق النووي الإيراني. لكنّه أدّى دوراً محورياً في التفاوض على الاتفاق. ففي عام 2013 قاد بيرنز مع جاك سوليفان، الذي عُيّن مستشار بايدن للأمن القومي في نوفمبر/‏‏تشرين الثاني، محادثات سرية مع مسؤولين إيرانيين في عمان أرست دعائم الاتفاق النووي.
وساعد كذلك في التفاوض على المسودة الأولية لاتفاق مؤقت عام 2013 سبق وألهم المعاهدة النهائية، المعروفة باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة». وفي كتابه المنشور عام 2019 «القناة الخلفية The Back Channel»، يُدافع بيرنز عن خطة العمل الشاملة المشتركة، مشدداً على أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية «والمجتمع الاستخباراتي الأميركي أكدوا مراراً امتثال الإيرانيين للمعاهدة».
وجادل بأن رفع العقوبات «كشف نقاط ضعف النظام» لأن حكام الجمهورية الإسلامية لم يعد بإمكانهم لوم واشنطن على أوجاع البلاد الاقتصادية التي تنبع من الفساد وسوء الإدارة في الأصل. وشبّه بيرنز قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق بالنزعة الأحادية الأميركية التي أدّت إلى غزو العراق.
في حين قال بايدن إنه ينتوي العودة إلى الاتفاق في حال عاودت إيران الامتثال له. وقد رحب أنصار الدبلوماسية مع إيران بترشيح بيرنز يوم الإثنين 11 يناير.
إذ كتبت باربرا سلافين، مديرة مبادرة مستقبل إيران في منظمة Atlantic Council البحثية، على تويتر: «عرفت بيل بيرنز لأكثر من عقدين من الزمن، ولم أُصادف موظفاً حكومياً أكثر تفكيراً واحترافيةً وصدقاً. وأتمنى له كل التوفيق في مسؤولياته الجديدة».
دعوةٌ لإعادة النظر في السياسة الخارجية
بعد تقاعده من وزارة الخارجية، شغل بيرنز منصب رئيس مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي. وفي أواخر عام 2019، كتب عموداً مطولاً لمجلة Atlantic الأميركية دعا فيه إلى مسارٍ دبلوماسي جديد بالشرق الأوسط، حيث تُعيد واشنطن ضبط علاقاتها في المنطقة.
وأضاف: «هذا يعني أكثر من مجرد طريق ذي اتجاهين مع السعودية ودول الخليج. يجب أن ندعمهم في مواجهة التهديدات الأمنية الخارجية المشروعة، من إيران أو غيرها، وندعم في الوقت ذاته التحديث السياسي والاقتصادي الجاد».
كما انتقد مدير وكالة الاستخبارات المركزية المقبل مقترح ترامب لإنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، الذي سيسمح لإسرائيل أن تحتفظ بجميع مستوطنات الضفة الغربية.
إذ كتب: «حديث ترامب عن صفقة القرن لإنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي يُخفي في باطنه ميلاً منهجياً إلى صف إسرائيل، وهو ما أدّى إلى القضاء على أيّ أمل زائف في حل الدولتين. لم يسبق في تاريخ الدبلوماسية الأميركية أن منحت الكثير من أوراق التفاوض مقابل القليل بهذا الشكل».
وفي مذكراته، سرد الدبلوماسي المخضرم جهوده الداخلية من أجل الضغط لانتقاد الاحتلال الإسرائيلي صراحةً حين كان مسؤولاً في إدارة جورج بوش الابن. فخلال الضغوط الأميركية-الإسرائيلية للإطاحة بالرئيس الفلسطيني آنذاك ياسر عرفات عام 2002، ووسط الحصار المفروض على مجمعه في رام الله، كان بيرنز من مؤيدي تقديم رؤية واضحة لإقامة دولةٍ فلسطينية، بحسب تقرير الموقع البريطاني.
وكشف أنّ الحكومة الإسرائيلية كانت متورطة في عملية تعديل خطاب تاريخي لبوش، دعا خلاله إلى الإطاحة بعرفات. وتذكّر بيرنز حديثاً مع مسؤولٍ إسرائيلي في البيت الأبيض في يونيو 2002، زعم خلاله أنّ «الفلسطينيين قد ضاقوا ذرعاً بعرفات». وكتب: «أجبته حينها بأنّ الشيء الوحيد الذي ضاق به الفلسطينيون ذرعاً أكثر من عرفات هو الاحتلال. وإذا أردت تهميش عرفات والتلاعب به، فعليك منح الفلسطينيين آفاقاً سياسية حقيقية. إذ لم يمنح رئيس الوزراء (أرييل شارون) الفلسطينيين أي بصيص أمل بإنهاء الاحتلال، ولم يمنحهم كذلك أي خطة سياسية مقنعة. ولو فعل ذلك، لكنا سنُجري محادثةً مختلفة الآن».
ووصف الرئيس السابق باراك أوباما، في مذكراته بيرنز بأنه «طويل القامة، وذو شارب، وله صوتٌ رقيق، وأسلوب خريجي أكسفورد»، إذ يمتلك بيرنز شهادة دكتوراه في العلاقات الدولية من جامعةٍ بريطانية.
بينما وصف السيناتور كريس ميرفي، الديمقراطي المؤيد للدبلوماسية، بيرنز بأنّه «خيارٌ ملهم» لقيادة وكالة الاستخبارات المركزية: «إنه خبير، وهادئ، وذكي، وعلى دراية بالأساليب الصحيحة التي يُمكن للوكالة من خلالها حماية الأمة، إلى جانب الأساليب الأخرى والأعمال السرية التي يُمكنها القضاء على التهديدات الأمنية».
copy short url   نسخ
22/01/2021
569