+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
الشّحّ: حرص النّفس على ما ملكت وبخلها به، وما جاء في التّنزيل من الشّحّ فهذا معناه، وقول الله تعالى: (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ) قال القرطبيّ: الشّحّ هنا: هو شحّ المرأة بالنّفقة من مال زوجها وبقسمه لها أموالها.
قال الرّاغب: الشّحّ بخل مع حرص، وذلك فيما كان عادة. وقال الكفويّ: الشّحّ: هو الحالة النّفسيّة الّتي تقتضي منع الإنسان ما في يده أو في يد غيره.
وقال ابن رجب- رحمه الله تعالى-: هو تشوّق النّفس إلى ما حرّم الله ومنع منه، وعدم قناعة الإنسان بما أحلّه الله له من مال أو فرج أو غيرهما. أو هو: تناول ما ليس للإنسان ظلما وعدوانا من مال أو غيره.
فالفرق بين الشح والبخل: قال القرطبيّ: قال طاوس: البخل أن يبخل الإنسان بما في يده، والشّحّ أن يشحّ بما في أيدي النّاس، يحبّ أن يكون له ما في أيديهم بالحلّ والحرام. وقال ابن منظور: الشّحّ أشدّ البخل، وقيل البخل في أفراد الأمور وآحادها، والشّحّ عامّ، وقيل البخل بالمال، والشّحّ بالمال والمعروف وقال أبو هلال: الشّحّ: الحرص على منع الخير، والبخل: منع الحقّ فلا يقال لمن يؤدّي حقوق الله بخيل.
وقال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- الفرق بين الشّحّ والبخل أنّ الشّحّ هو شدّة الحرص على الشّيء والإحفاء في طلبه والاستقصاء في تحصيله وجشع النّفس عليه، والبخل: منع إنفاقه بعد حصوله وحبّه وإمساكه، فهو شحيح قبل حصوله بخيل بعد حصوله، فالبخل ثمرة الشّحّ، والشّحّ يدعو إلى البخل، والشّحّ كامن في النّفس، فمن بخل فقد أطاع شحّه، ومن لم يبخل فقد عصى شحّه ووقي شرّه، وذلك هو المفلح. قال الله تعالى:( وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
وأما حكم الشح: عدّ ابن حجر شحّ الدّائن على مدينه المعسر مع علمه بإعساره بالملازمة أو الحبس من الكبائر بدليل أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خرج إلى المسجد وهو يقول هكذا- وأومأ أبو عبد الرّحمن بيده إلى الأرض-: «من أنظر معسرا أو وضع عنه- أي حطّ عنه دينه أو بعضه بالبراءة منه- وقاه الله من فيح جهنّم».
وبقوله أيضا: «من نفّس عن مسلم كربة من كرب الدّنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.
ومن يسّر على معسر في الدّنيا يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة، ومن ستر على مسلم في الدّنيا ستر الله عليه في الدّنيا والآخرة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه».
وما ذكره من أنّ فعل الدّائن بمدينه كبيرة ظاهر جدّا وإن لم يصرّحوا به، إلّا أنّه داخل في إيذاء المسلم الشّديد الّذي لا يطاق عادة، ومفهوم الحديثين الأوّلين:
أنّ من لم ينظر مدينة المعسر لا يوقى فيح جهنّم، وذلك وعيد شديد، وبه يتأكّد عدّ ذلك كبيرة.
لذا من مضار الشح يورث قطيعة الرّحم وانفصام عرى المحبّة، وهو من أسباب الظّلم والبغي والعدوان وسفك الدّماء وهلاك الخلق، كذلك بغض النّاس للشّحيح وبعدهم عن شرّه، فهو من أعظم الموبقات الّتي أمر الشّارع باجتنابها.
{ أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
copy short url   نسخ
21/01/2021
1909