+ A
A -
خالد وليد محمود
كاتب عربي
من السذاجة في عصر الشبكة العنكبوتية والثورة الصناعية الرابعة وإنترنت الأشياء أن نؤمن بالخصوصية، ومن أكبر الأكاذيب وصف الشركات المزودة للخدمات المتصلة بالإنترنت نفسها بأنها «تحمي» خصوصية مستخدميها! والسذاجة أن نصدق ذلك.
إنه عالم مظلم وخطير، بدأ افتراضيا وانتهى إلى كيان من لحم ودم، لقد دفع تطور التكنولوجيا إلى عمليات دمج عميقة بين العالم الافتراضي والعالم الواقعي بصورة تُشعر الشخص بفقدان سيطرته على خصوصيته.
تمر بالقرب من شخص لا تكاد تعرفه، وفي هاتفك الخلوي تطبيق للفيسبوك وكذلك الشخص الغريب، وما هي إلا دقائق حتى يقترح عليك الفيسبوك أن تكوّن صداقة معه، لقد أثارت اندهاشي هذه التجربة، يوم اتصلت بأحدهم وما هي إلا دقائق حتى اقترح عليّ الفيسبوك إمكانية طلب صداقة معه.
ثمة ما هو أخطر، فالكثير منا سمع بإمكانية تجسس هواتفنا علينا، لكن ما يدعو إلى القلق أن عمليات التجسس لا تقوم بها الدول فقط، فاليوم باتت الشركات تفعل ذلك، ربما يقال إنها لغايات التسويق والإعلان، لكنها تبقى الفكرة الأعمق، لم نعد وحدنا في منازلنا.
قبل فترة وجيزة كان النقاش الحاد يدور حول ما إذا كان يحق للدولة أن تتجسس على مواطنيها، هذا النقاش بات ترفاً تخطّاه الواقع بمراحل، فليست أجهزة الدول وحدها من تتجسس، بل هناك عشرات التطبيقات على هاتفك التي ستحول الكاميرا على عين تراقب حركاتك، وسماعات الهاتف إلى آذان صاغية لكل حرف، هناك على مثلنا القائل الجدران لها آذان أن تستبدل للهواتف لها آذان وعيون.
إنّه عالم دخل حد الجنون وما عاد المرء قادرا على الاستقلال الذاتي والشخصي، فعوالم الشبكة العنكبوتية مظلمة وقاتمة ومريبة، لكن أكثرها غرابة مواقع التواصل الاجتماعي، ليس لتطورها التقني بل لرغبتها المستمرة في ربط العالمين الحقيقي بالافتراضي.
copy short url   نسخ
20/01/2021
158