+ A
A -
رشا عمران
كاتبة سورية
قبل أيام امتلأت صفحات الفيسبوك بصور عربة خضار قديمة تعود إلى عشر سنوات ماضية من الزمن، لم تكن هذه العربة سوى عربة البوعزيزي، بائع الخضار التونسي، الذي سوف يذكره التاريخ بوصفه السبب الأول لحدوث الربيع العربي، وربما سوف تبقى عربة الخضار خاصته، التي تلقى بسببها صفعة كبيرة من شرطية تونسية، رمزا للشعوب المسحوقة والمسحولة تحت عنف وعسف العسكر، في بلاد تعتمد النظام الجمهوري في الحكم، النظام الذي يفترض به تدوال السلطة وانتقالها عبر انتخابات ديمقراطية (جماهيرية)، غير أن هذه الجمهوريات، تحولت إلى نظم حكم ممسوخة فلا هي جمهوريات كما يفترض بها، ولا هي ملكيات كما تحاول أنظمتها أن تكون، أصبحت أقرب إلى المزارع، يعتقد حكامها أنهم مالكوها، ومن حقهم التصرف بها كما يشاؤون، ومن حقهم توريثها لأبنائهم ولأحفادهم، أما الشعوب، سواء أكانت كثيرة العدد أم قليلة، فهي لا تراها الأنظمة إلا بوصفها مجموعات من الأجراء في المزارع خاصتهم، أو من العبيد، ولمالكيهم حق التصرف بمصيرهم دون التدخل من أحد.
ندخل هذه الأيام في نهاية عقد لم يمر مثله على البشرية منذ زمن طويل جدا، فما حدث في دول ما يفترض أنه ربيع عربي امتد أثره ليشمل العالم كله، حيث شهدت دول العالم الأول خلال العقد المنصرم أكبر هجرة بداعي اللجوء السياسي والحماية حدثت عبر التاريخ، كان معظمها عبر الهجرة غير الشرعية، والتي لاقى أصحابها الأهوال، عدا عن الآلاف من الذبن فقدوا حياتهم في البحار والغابات في مسيرة الهرب إلى أوروبا، كما أن الزيادة المهولة في عدد اللاجئين غيرت من ميزان قوى السياسة في أوروبا، واثرت كثيرا في مجريات الانتخابات في تلك الدول، وفي شعبية الأحزاب المتنافسة، كما أن ظهور الإسلام السياسي الجهادي الراديكالي في البلاد العربية، وتحديدا داعش والنصرة، وانضمام آلاف المجاهدين حاملي الجنسيات الأوروبية إليهم، رفع من شعبية الأحزاب اليمينية في العالم، وظهرت موجات جديدة من العنصرية ضد الإسلام والعرب معا، خصوصا مع الهجمات الإرهابية التي تكررت في أوروبا خلال السنوات الماضية.
ظهور داعش بتلك السرعة والقوة في سوريا والعراق، كان سببا مباشرا أيضا لما يحدث في الولايات المتحدة اليوم، فاختيار ترامب من قبل الأميركيين جاء نتيجة خطاب شعبوي عنصري يعزز سيطرة الرجل الأبيض الأميركي المتفوق الذي سوف ينتصر على الإرهاب (الإسلامي الداعشي والشيعي)، عدا أن الوضع السوري والوصاية الروسية عليه غيرت من شأن التحالفات في العالم، وتشكلت صراعات جديدة بين قوى حليفة في سوريا وعدوة في مكان آخر في العالم أو العكس.
زلزل الربيع العربي، الذي تحول إلى خريف دموي، العالم كله، وغير من الخريطة الديموغرافية للبشرية، وهو ما سيظهر تأثيره في العقود القادمة، كما أنه لم تبق دولة من دول الإقليم على حالها، التغيرات السياسية والإقتصادية تركت توقيعاتها على الجميع، كما أن الاحتجاجات وشعاراتها التي ظهرت في ساحات المدن العربية انتقلت كما هي إلى شوارع المدن في العالم الغربي وفي الإقليم، لم يبق شيئا على حاله في هذا العقد الاستثنائي.
هذا الخراب العام الذي طبع العقد المنصرم بدءا من السياسة وانتهاء بالقيم الإنسانية والأخلاقية العامة، كان طبيعيا أن يكتمل بفيروس حقير يقلب البشرية رأسا على عقب، ويغير مسار حياة البشر وحاضرهم ومستقبلهم، ويضع البشرية كلها أمام تحديات جديدة بعد انكشاف الخلل الكبير في النظام العالمي الحاكم على المستوى الإقتصادي والأخلاقي والإنساني.
ثمة نص شهير للأميركي تينسي وليامز عنوانه (عربة اسمها الرغبة) تحول ذات يوم إلى فيلم جميل جدا، النص لا علاقة له بما يحدث اليوم في العالم لكن ربما يمكننا استعارة اسمه لنطلقه على عالمنا اليوم، وربما لو بقي تينسي وليامز حيا إلى اليوم لكتب نصا تحت عنوان (عربة اسمها الفيروس)، إذ ان عالم اليوم لا يشبه شيئا غير عربة البوعزيزي البائسة محاطة ومحملة بملايين ملايين الفيروسات تتنقل بين دول العالم كله كاشفة الخراب الذي يعيش فيه كوكب الأرض.
copy short url   نسخ
20/01/2021
1482