+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
السحر مصدر قولهم: سحره يسحره أي خدعه، وهو مأخوذ من مادّة «سحر» الّتي تدلّ على أصول ثلاثة، يقول ابن فارس: السّين والحاء والرّاء أصول ثلاثة متباينة: أحدها عضو من الأعضاء، والآخر خدع وشبهه، والثّالث: وقت من الأوقات.
فالعضو: السّحر، وهو ما لصق بالحلقوم والمريء من أعلى البطن. وأمّا الثّاني فالسّحر، قال قوم: هو إخراج الباطل في صورة الحقّ، ويقال، هو الخديعة... وأمّا الوقت فالسّحر والسّحرة وهو قبل الصّبح، وجمع السّحر أسحار.
ويقال سحره إذا خدعه، وكذلك إذا علّله، والتّسحير مثله، وقوله تعالى: (إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) يقال: المسحّر: الّذي خلق ذا سحر. ويقال: من المعلّلين، والسّحر: عمل تقرّب فيه إلى الشّيطان، وبمعونة منه، كلّ ذلك الأمر كينونة للسّحر، ومن السّحر الأخذة الّتي تأخذ العين حتّى يظنّ أنّ الأمر، كما يرى، وليس الأمر على ما يرى وكلّ ما لطف مأخذه ودقّ فهو سحر، والجمع أسحار وسحور. وأصل السّحر صرف الشّيء عن حقيقته إلى غيره فكأنّ السّاحر- لمّا أرى الباطل في صورة الحقّ وخيّل الشّيء على غير حقيقته- قد سحر الشّيء عن وجهه أي صرفه.
قال ابن قدامة- رحمه الله-: هو عقد ورقى يتكلّم به أو يكتبه السّاحر أو يعمل شيئا يؤثّر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له.
وقال التّهانويّ: هو الإتيان بخارق عند مزاولة قول أو فعل محرّم في الشّرع أجرى الله سبحانه عنده ابتداء.
وقال الكفويّ: السّحر: كلّ ما لطف مأخذه ودقّ، وهذا في السّحر الحلال، أمّا السّحر الحرام المنهيّ عنه فقد عرّفه بقوله: مزاولة النّفوس الخبيثة لأفعال وأحوال يترتّب عليها أمور خارقة للعادة لا يتعذّر معارضته، ويطلق على ما يفعله صاحب الحيل بمعونة الآلات والأدوية، وما يريك إيّاه صاحب خفّة اليد.
وقال بعضهم: السّحر: قلب الحواسّ في مدركاتها عن الوجه المعتاد في صحّتها عن سبب باطل لا يثبت مع ذكر الله عليه وقيل: أمر خارق للعادة صادر عن نفس شرّيرة ولا يتعذّر معارضته.
قال الرّاغب: السّحر يقال على معان: الأوّل: الخداع وتخييلات لا حقيقة لها نحو ما يفعله المشعوذ بصرف الأبصار عمّا يفعله لخفّة يد، وما يفعله النّمّام بقول مزخرف عائق للأسماع، وعلى ذلك قوله تعالى: (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ).
الثّاني: استجلاب معاونة الشّيطان بضرب من التّقرّب إليه، كما في قوله تعالى: (وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ).
الثّالث: ما يذهب إليه الأغتام (جمع أغتم وهو الّذي لا يفصح شيئا) وهو اسم لفعل يزعمون أنّه من قوّته يغيّر الصّور والطّبائع فيجعل الإنسان حمارا ولا حقيقة له عند المحصّلين.
وقد تصوّر من السّحر تارة حسنه فقيل: إنّ من البيان لسحرا، وتارة دقّة فعله حتّى قالت الأطبّاء:
الطّبيعة ساحرة، وسمّوا الغذاء سحرا من حيث إنّه يدقّ ويلطف تأثيره.
ثمّ إنّ السّحر يطلق ويراد به الآلة الّتي يسحر بها، ويطلق ويراد به فعل السّحر، والآلة تارة تكون معنى من المعاني فقط، كالرّقى والنّفث في العقد وتارة تكون بالمحسوسات كتصوير الصّورة على صورة المسحور وتارة بجمع الأمرين: الحسّيّ والمعنويّ وهو أبلغ، واختلف في السّحر فقيل: هو تخييل فقط ولا حقيقة له.
قال النّوويّ: والصّحيح أنّ له حقيقة وبه قطع الجمهور وعليه عامّة العلماء، ويدلّ عليه الكتاب والسّنّة الصّحيحة المشهورة.
قال المازريّ: جمهور العلماء على إثبات السّحر وأنّ له حقيقة، ونفى بعضهم حقيقته وأضاف ما يقع منه إلى خيالات باطلة، وهو مردود لورود النّقل بإثبات السّحر، ولأنّ العقل لا ينكر أنّ الله قد يخرق العادة عند نطق السّاحر بكلام ملفّق أو تركيب أجسام أو مزج بين قوى على ترتيب مخصوص، ونظير ذلك ما يقع من حذّاق الأطبّاء من مزج بعض العقاقير ببعض حتّى ينقلب الضّارّ منها بمفرده فيصير بالتّركيب نافعا.
والفرق بين السّحر والمعجزة والكرامة: أنّ السّحر يكون بمعاناة أقوال وأفعال حتّى يتمّ للسّاحر ما يريد، والكرامة لا تحتاج إلى ذلك بل إنّما تقع غالبا اتّفاقا، وأمّا المعجزة فتمتاز عن الكرامة بالتّحدّي، ونقل إمام الحرمين الإجماع على أنّ السّحر لا يظهر إلّا من فاسق، وأنّ الكرامة لا تظهر على فاسق.
حكم السحر: قال الكفويّ: الصّحيح أنّ تعلّمه حرام مطلقا لأنّه توسّل إلى محظور عنه غنى، وتوقّيه بالتّجنّب أصلح وأحوط.
وقال الإمام الذّهبيّ: السّاحر لابدّ وأن يكفر؛ إذ ليس للشّيطان الملعون غرض في تعليمه الإنسان السّحر إلّا ليشرك بالله، وترى خلقا كثيرا من الضّلّال يدخلون في السّحر ويظنّونه حراما فقط، وما يشعرون أنّه الكفر، وحدّ السّاحر: القتل، لأنّه كفر بالله أو مضارع له، وهو من السّبع الموبقات، وقد جعل من الشّرك لاعتقاد الجهّال أنّ ذلك يؤثّر بخلاف ما قدّر الله تعالى وقد عدّه الإمام ابن حجر ضمن الكبائر، وحدّه عنده: كلّ كلام يغيّر الإنسان أو شيئا من أعضائه، وهو من كبائر اللّسان.
{ أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
copy short url   نسخ
19/01/2021
723