+ A
A -
نور الدين العلوي كاتب تونسي
منهجان للتحليل يبدو أن أحدهما سيحل بهدوء مكان الثاني في وسائل القراءة السياسية والاجتماعية، وقد يسعفنا بقراء أفضل للواقع التونسي بعد عشر سنوات من الثورة.
كنا نتابع معتقدين أن القوى الاجتماعية في وضع تناقض تتصارع من أجل المغنم المادي المباشر، وكنا نرى صراعها أكثر مما نرى قدراتها على المناورة التي تجتنب العنف (أو الصراع الطبقي).
لقد اشتكى الرئيس علنا في بيان رئاسي من أن هناك تعديلا حكوميا يجرى تحت سمعه وبصره دون أن يؤخذ برأيه. ونرى أن هذه ستكون سياسة الحكومة في قادم الأيام، وهو موقف واضح إزاء رغبة الرئيس في التوسع (يستعمل التونسيون تعبير «إطفاء» للتعبير عن التجاهل التام). قف عندك أنت غير موجود لتستشار، ونميل إلى أنه لا يملك وسائل احتجاج على ما يجري سوى التظلم العلني لكل من يزور قصره.
لقد حُددت حركته في إطار الدستور بالقوة، بعد أن رفض أن يقف عندها بالفعل. تعديل وظيفي جذري بقصر دور الفاعل الرئيسي نظريا عند حدود النص القانوني، وتوضيح حدود حركة رئيس الحكومة وصلاحيته ضمن نفس النص. يمكننا القول إنه وضع حدود الدستور حيز التطبيق بشكل منهجي ومرجعي.
انتهت الصورة التقليدية الموروثة من تخيلنا للصراع الاجتماعي والتي تضع دوما نقابات العمال في مواجهة الأعراف. القوتان لم تعودا مصرتين على الصراع الطبقي، بل تحالفتا ضمن خطة سياسية لفرض شروط المشاركة في الحكم من خارج الصندوق الانتخابي، هناك شعور يتسع بين قوى مختلفة الحكم نفسه بأنه لم يعد ملكا لطبقة محددة.
انتهت الصورة التقليدية الموروثة من تخيلنا للصراع الاجتماعي والتي تضع دوما نقابات العمال في مواجهة الأعراف. القوتان لم تعودا مصرتين على الصراع الطبقي، بل تحالفتا ضمن خطة سياسية لفرض شروط المشاركة في الحكم من خارج الصندوق الانتخابي
يمكن القول إن آخر المعارك الأيديولوجية في الحالة التونسية قد خاضها حزب التيار وحركة الشعب ضد حركة النهضة (حزب إسلامي) في العام 2020، وفشل الحزبان حتى الآن في فرض قوتهما بالقانون وبالشارع. يحتفظ فرقاء الأيديولوجيا حتى اللحظة بمواقع برلمانية ويصعدون الخطاب في مواجهة عدمية، ولكن القوة على الأرض لم تعد للتحيز الأيديولوجي، حيث نشاهد هذه الأيام وجوها كثيرة تتردد على مكتب رئيس النهضة طالبة التوزير في التعديل الحكومي الجاري. رغم أن حزب النهضة ليس ممثلا فعلا في الحكومة، ولكنه يشتغل كحزام قوي حولها بحيث يقف المشيشي بالغنوشي في مواجهة الجميع. قوة ناعمة ربما، لكن قوة وظيفية تصلب عود الحكومة وتسمح للدولة بالاستمرار خارج كل أيديولوجيا. (التفكير الوظيفي للغنوشي يتقدم على خصومه بالقتل الرحيم دون التورط في الثورية).
خطاب لعن الإسلاميين لم يعد خطابا جديا يُعتمد عليه محليا وخارجيا لمواجهتهم، فخصومهم لا يملكون وجودا فعليا في الشارع يفوق في أفضل حالاته ألف صوت في مظاهرة.
سقوط التحيزات الأيديولوجية وتقدم التفكير العملي أو البراغماتي هي مرحلة أولى في تعديل وظيفي طويل الأمد، يقدم العمل السياسي (لعبة شطرنج) على الصراع الأيديولوجي الموروث من السبعينيات.
سيكون للتعديل الحكومي الجاري دور توضيح هذه التوافقات الوظيفية، بحيث ترتفع درجة الثقة المتبادلة بين الحكومة الوظيفية وحزامها السياسي البراغماتي (الحكم فعلا من خارج الحكومة)، وسيستبق كل محاولات جر الحكومة وحزامها إلى حوار وطني يفرض تنازلات ذات فعالية لصالح النقابة ويسارها، واحتمال سقوط فكرة الحوار نفسه وارد في قادم الأيام.
لكن كل هذه التعديلات الوظيفية وإن أوهمت باستقرار حكومي الآن وهنا وبعيدا عن رغبات الرئيس، فإنها تظل هشة ولا تفرز حكومة قوية إلا بحلول فعلية لمن يمكن أن يسقط من غربال التحالفات، أي القوى الاجتماعية الماكثة في الهامش الاجتماعي. التعديل الوظيفي لا يحتمل إقصاء مكون وظيفي أساسي وصاحب حق لم يعد يدافع عنه أحد إلا أصحابه، وهم ثقل وظيفي حقيقي.
copy short url   نسخ
14/01/2021
123