+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
البهتان: هو الاسم من البهت، وهو مأخوذ من مادة (ب هـ ت) التي يدور معناها حول الدهش والحيرة، وتتصل فروعها بهذا الأصل وتتقارب، يقول ابن فارس: الباء والهاء والتاء أصل واحد، وهو كالدهش والحيرة، يقال: بهت الرجل، يبهت بهتا، والبهتة الحيرة، فأما البهتان فالكذب قال تعالى: (هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ) أي كذب يبهت سامعه لفظاعته. يقول الجوهري: وبهت الرجل -بالكسر- إذا دهش وتحيّر، وبهت -بالضم- مثله، وأفصح منهما بهت، كما قال: جل ثناؤه: (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) لأنه يقال: رجل مبهوت، ولا يقال: باهت، ولا بهيت.
والبهيتة: الباطل الذي يتحيّر من بطلانه، والبهتان: من بهت الرجل يبهته بهتا، فهو بهّات: أي قال عليه ما لم يفعله، فهو مبهوت، وبهته بهتا: أخذه بغتة، وفي التنزيل العزيز: (بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ).
والبهتان: افتراء، وفي التنزيل العزيز: (وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ) وباهته: استقبله بأمر يقذفه به، وهو منه بريء لا يعلمه فيبهت منه، والاسم البهتان. وبهتّ الرجل أبهته بهتا إذا قابلته بالكذب، وقوله عز وجل: (أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) أي مباهتين آثمين.
فالبهتان هو الكذب والافتراء الباطل الذي يتحيّر منه. قال المناوي: البهتان: كذب يبهت سامعه ويدهشه ويحيّره لفظاعته، وسمّي بذلك لأنه يبهت أي يسكت لتخيّل صحّته، ثمّ ينكشف عند التأمل. وقال الكفوي: البهتان هو الكذب الذي يبهت سامعه أي يدهش له ويتحيّر. وهو أفحش من الكذب، وإذا كان بحضرة المقول فيه كان افتراء. وقيل: كلّ ما يبهت له الإنسان من ذنب وغيره.
والفرق بين البهتان والاغتياب والافتراء والإفك: تقارب معاني هذه الألفاظ، بيد أنها عند التدقيق مما تختلف دلالته وتتفاوت، فالاغتياب هو أن يتكلّم شخص خلف إنسان مستور، بكلام هو فيه، وإن لم يكن ذلك الكلام فيه فهو بهتان، والكذب الفاحش الذي يدهش له سامعه هو بهتان إن لم يكن بحضرة المقول فيه، فإن كان بحضرته كان افتراء، سواء أكان ذلك عن قصد أو عن غير قصد، فإذا كان ذلك عن قصد كان إفكا.
ومن معاني البهتان التي وردت في القرآن الكريم ما يلي: الأول: الكذب، ومنه قوله تعالى في النور: (سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ)، والثاني: الزنا، ومنه قوله تعالى في الممتحنة: (وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ)، والثّالث: الحرام، ومنه قوله تعالى في سورة النّساء: (أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً). فعدّ ابن حجر البهتان من كبائر الذنوب، وذكر أنه أشد من الغيبة، إذ هو كذب فيشقّ على كل أحد، بخلاف الغيبة التي لا يشق على بعض العقلاء لأنها فيه، وقد جاء في الحديث الذي خرّجه أحمد: «خمس ليست لهنّ كفّارة: الشّرك بالله، وقتل النفس بغير حق، وبهت مؤمن، والفرار يوم الزحف، ويمين صابرة (أي كاذبة) يقتطع بها مالا بغير حق».
ولما رواه الطبراني: «من ذكر امرأ بشيء ليعيبه به حبسه الله في نار جهنّم حتى يأتي بنفاذ ما قال فيه».
ووجه من عدّ البهت من الكبائر مع عدّه الكذب كبيرة أخرى أنّ هذا كذب خاصّ فيه هذا الوعيد الشديد، فلهذا أفرد بالذّكر. فمن مضار تستجلب سخط الله عزّ وجلّ والملائكة المقرّبين، فهي صفة من صفات المنافقين وهم في الدّرك الأسفل من النّار، ويكون صاحب البهتان مبغوض من النّاس، ومحتقر عند عباد الله.
{ أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
copy short url   نسخ
13/01/2021
3563