+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
التواضع هو إظهار التّنزّل عن المرتبة لمن يراد تعظيمه، وقيل: هو تعظيم من فوقه لفضله، وفي الرّسالة القشيريّة: التّواضع هو الاستسلام للحقّ وترك الاعتراض في الحكم. قال تعالى: (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).
والفرق بين التّواضع والمهانة (أو الذّلّ) أنّ التّواضع يتولّد من بين العلم بالله سبحانه ومعرفة أسمائه وصفاته ونعوت جلاله وتعظيمه ومحبّته وإجلاله، ومن معرفته بنفسه وتفاصيلها وعيوب عملها وآفاتها، فيتولّد من ذلك كلّه خلق هو التّواضع وهو انكسار القلب لله وخفض جناح الذّلّ والرّحمة لعباده فلا يرى له على أحد فضلا ولا يرى له عند أحد حقّا بل يرى الفضل للناس عليه والحقوق لهم قبله، وهذا خلق إنّما يعطيه الله عزّ وجلّ من يحبّه ويكرّمه ويقرّبه.
وأمّا المهانة (الذّلّ) فهي الدّناءة والخسّة وبذل النّفس أو ابتذالها في نيل حظوظها وشهواتها، كتواضع السّفل في نيل شهواتهم وتواضع طالب كلّ حظّ لمن يرجو نيل حظّه منه فهذا كلّه ضعة لا تواضع والله سبحانه يحبّ التّواضع ويبغض الضّعة والمهانة.
والتّواضع المحمود على نوعين: النّوع الأوّل: تواضع العبد عند أمر الله امتثالا وعند نهيه اجتنابا فإنّ النّفس لطلب الرّاحة تتلكأ في أمره فيبدو منها نوع إباء وشرود هربا من العبوديّة وتثبت عند نهيه طلبا للظّفر بما منع منه، فإذا وضع العبد نفسه لأمر الله نهيه فقد تواضع للعبوديّة.
والنّوع الثّاني: تواضع لعظمة الرّبّ وجلاله وخضوعه لعزّته وكبريائه فكلّما شمخت نفسه ذكر عظمة الرّبّ تعالى وتفرّده بذلك وغضبه الشّديد على من نازعه ذلك فتواضعت إليه نفسه وانكسر لعظمة الله قلبه واطمأنّ لهيبته، وأخبت لسلطانه، فهذا غاية التّواضع، وهو يستلزم الأوّل من غير عكس، والمتواضع حقيقة من رزق الأمرين معا.
لذا فإن التّواضع خلق كريم من أخلاق المؤمنين ودليل محبّة ربّ العالمين، وهو طريق موصل إلى مرضاة الله وإلى جنّته، والسّبيل إلى القرب من الله ومن ثمّ القرب من النّاس. فالتّواضع عنوان سعادة العبد في الدّارين، كذلك يحبّ الله المتواضعين ويكلؤهم برعايته ويحيطهم بعنايته، فالمتواضعون آمنون من عذاب الله يوم الفزع الأكبر، وهو دليل على حسن الخاتمة وعلى حسن الخلق.
{ أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
copy short url   نسخ
06/01/2021
602