+ A
A -
أحمد عيسى كاتب فلسطيني
ماهر الأخرس ليس الأول من الفلسطينيين الذي يخوض إضراباً مفتوحا عن الطعام ضد اعتقاله إدارياً من قبل الاحتلال الإسرائيلي، إذ سبقه الكثير من الفلسطينيين في هذا المسار، لكن معركته ستبقى الأكثر أهمية عما سبقها من معارك من حيث معناها وتوقيتها ودلالاتها وتداعياتها.
فمن حيث المعنى تعتبر معركة الأخرس شكلا من أشكال المقاومة الذي يسمو على كل أشكال ومعاني المقاومة المعروفة، ولكن إمعان النظر والتدقيق والإنصات لصوت الحق والحقيقة يبرهن على أن فعل المقاومة يدور على جبهات عدة ولا يقتصر على جبهة بعينها ولا طرف بذاته، وإذا كانت مقاومة المستعمر والمحتل والغريب الغاصب هي الأبرز والأعلى صوتاً والأكثر طرحاً، فإن هناك ثلاث جبهات تدور عليها معركة حامية للمواجهة لا تقل بأي حال من الأحوال عن التصدي للمستعمر أو الدفاع عن سيادة الوطن واستقلاله وحريته.
أما من حيث التوقيت، فتكمن أهمية انتصار الأخرس، في تزامن هذا الانتصار مع لحظة بدا فيها مخطط تيئيس الشعب الفلسطيني وتغيير وعيه وإزاحته عن مسرح التاريخ قد بلغ مداه ووصل إلى محطته النهائية، ولم يعد أمام الشعب الفلسطيني أمام ذلك إلا التسليم والاستسلام لقوة الاستعمار والاضطهاد الإسرائيلي، لا سيما وأن القوة الأعظم في العالم (أميركا) قد استثنت مرة أخرى الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره وهي تُعيد بناء النظام العالمي الجديد، والأهم أن النظام العربي الرسمي قد تخلى علناً عن الفلسطيني واصطف إلى جانب أميركا وإسرائيل في رؤيتهما للنظام العالمي والإقليمي الجديد، الأمر الذي يؤكد أن الفلسطيني ليس بوارده الاستسلام ورفع الراية البيضاء رغم بقائه وحيداً في هذه المعركة اللامتكافئة في علاقات القوة.
من جهته الأخرس كرس جُل المعاني والشروحات التي قدمها البرغوثي وحسن للمقاومة في معركته التي امتدت لمائة وأربعة أيام متواصلة انتهت بانتصار إرادته على قوة المحتل، مثبتاً بذلك أن الانتصار في المعركة يحتاج إلى الإرادة والتصميم على النصر ربما أكثر بقدر حاجته إلى امتلاك ممكنات القوة التي إن لم تقترن بالإرادة تبقى عمياء، الأمر الذي جسده الأخرس بقوله لحظة خروجه من سجنه «لقد انتصرت لوحدي على أكبر قوة عسكرية في الشرق الأوسط».
كما أنه حمَل انتصاره على خطاب يجسد أهم دلالات معركته بقوله «لا يمكن أن نتخلص من الاحتلال ونحن ساكتون عن الاحتلال، إذ لا يمكننا انتظار العالم ليخلصنا من الاحتلال». وأضاف «لا يمكن أن تكون هناك مصالحة فلسطينية داخلية طالما هناك أوسلو»، الأمر الذي ستكون له يقيناً تداعياته، لا سيما وأن نماذج المعارك الفردية تتصدر مشهد المقاومة الفلسطينية في ظل انحسار النموذج الجماعي.
copy short url   نسخ
05/12/2020
503