+ A
A -
د. عبد الحميد الأنصاري عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة قطر سابقا
فهمنا الديمقراطية على أنها ثمرة تقطف، وهي في الحقيقة بذرة تزرع، هي إفراز لمجتمعات لا تعاني طلاقاً بين بينتها الفوقية (الآليات) وبنيتها التحتية (الثقافة)، هي ثقافة مجتمع مدني حي، طبقاً لجورج طرابيشي. فلا يكفي إصدار دساتير تتضمن المبادئ الديمقراطية، وإقامة المؤسسات السياسية الحديثة: حكومة وبرلماناً وأحزاباً، لأنها تتحول في النهاية إلى غطاء شكلي. الديمقراطية تنشئة اجتماعية، وتعليم منفتح، وإعلام حر، وثقافة إنسانية، وممارسات واعية تمتد من البيت الصغير صعوداً للبيت الكبير. الديمقراطية تصنع في عقول البشر أولاً، وتمارس كتربية ثانياً.
إن تربيتنا تفتقد القيم الديمقراطية، وتعليمنا احادي، وإعلامنا تعبوي، ومنابرنا الدينية لا تتقبل الآخر، وعلينا إعادة النظر في مجمل المنظومة الحاكمة للمجتمع: تربية وتعليماً وتثقيفاً وإعلاماً وفهماً صحيحاً للدين، إذا أردنا ترسيخ الممارسة الديمقراطية.
هل تتقبل مجتمعاتنا الخليجية ثقافة الديمقراطية ؟
ثقافة الديمقراطية مجموعة من القيم الإنسانية تمثل شوق الإنسان الفطري للحرية والكرامة وحق المشاركة في تدبير شؤون مجتمعه وتشكيل مستقبله، والمجتمعات الخليجية لديها القابلية للقيم الديمقراطية إذا أرادت التغيير وعزمت على تجاوز المعوقات وأبرزها:
أولاً: المعوق الأكبر (ثقافة الريع):
إذا كان كل نظام اقتصادي ينتج نظامه الثقافي والسياسي المتوافقين معه، فأنتج الاقتصاد الرأسمالي نظامه السياسي الديمقراطي وثقافته القائمة على المذهب الفردي الحر، وأفرز الاقتصاد الشيوعي نظامه السياسي الشمولي وثقافته المبنية على المذهب الاشتراكي الجماعي، فإن الاقتصاد الريعي الخليجي صنع نظامه السياسي الوراثي وثقافته الريعية الرعوية.
لكن ثقافة الاقتصادين الرأسمالي والشيوعي مرتبطتان بدورة الإنتاج وبذل الجهد وتحمل المخاطر، بينما ثقافة الاقتصاد الريعي غير مرتبطة بها، هي ثقافة مجتمع عودته حكومته على المنح والعطايا والمكافأة بلا بذل جهد أو مشاركة في إنتاج مقومات معيشته.
قديماً، رأى العرب في قول الحطيئة للزبرقان، من سادات العرب:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
هجاء غير مقبول، استدعى ذهاب الزبرقان إلى الخليفة عمر رضي الله عنه وشكاية الشاعر وحبسه ثم إطلاق سراحه بعد تعهد، فإن هذا الوضع (وضعية الطاعم الكاسي غير المساهم في الإنتاج) أصبح اليوم مقبولاً خليجياً، ومن هنا يتعثر المسار الديمقراطي ويتشوه: قيماً وممارسة.
لا تلاقي بين ثقافتي: الريع والديمقراطية، وهذا أخطر سلبيات اقتصاد الريع التي تناولها بتحليل عميق واقتدار، المفكر القطري علي خليفة الكواري، ألخصها في:
1 - التوسع في بعض المشاريع العمرانية بلا مردود اقتصادي
2 - استفحال الخلل السكاني وتفاقمه
3 - تغول الدولة في مختلف المناشط المجتمعية
4 - ضعف المشاركة السياسية
5 - اعتياد المواطنين المسلكية الريعية وانتشار روح السلبية والاتكال على الوافدين في تأمين احتياجاتهم
6 - صراع المصالح الخاصة والمصالح العامة
7 - الحيلولة دون نمو مجتمع مدني حيوي حاضن لثقافة الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان
8 - تضخم حجم الفساد الخليجي
9 - فقدان المجتمع الخليجي النسق الاجتماعي والثقافة الجامعة نتيجة اختلاف مصادر ثقافة المكونات السكانية
10 - افتقاد المجتمع الخليجي التركيب المتوازن من الرجال والنساء والأطفال
11 - عدم قيام المجتمع الخليجي على التوازن، وإنما يتشكل ثلثاه من الذكور أغلبهم وافد وعازب.. 12 - عدم ارتباط السكان بتاريخ معيشة مشترك، ولا مصيرمستقبلي واحد
13 - تحول العواصم الخليجية إلى ورش ومعسكرات عمل..
وللحديث بقية..
copy short url   نسخ
30/11/2020
2721