+ A
A -
تعهد الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن بعودة واشنطن للالتزام بالاتفاق النووي لعام 2015، إذا التزمت به إيران، فيما يخوض الطرفان سباقا مع الزمن في حقل ألغام سياسي لتحقيق هذا الهدف حسبما يراه عدد من المعلقين الألمان.
يعتبر العديد من المراقبين للشأن الإيراني، أنه بمجرد استلام زمام السلطة في البيت الأبيض، سيتعين على الآلة الدبلوماسية للرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، التحرك بسرعة فائقة إذا كان يسعى بجدية للعودة لآليات الاتفاق النووي مع إيران، خصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات في إيران المقررة في يونيو القادم. وكان الرئيس الإيراني الحالي، الإصلاحي حسن روحاني ألقى بكل ثقله لإبرام اتفاق عام 2015. وبعد انسحاب إدارة دونالد ترامب من الاتفاق، هناك مخاوف جدية من انتخاب رئيس إيراني من صقور النظام، الذين لا يرون جدوى في أي مفاوضات مع الولايات المتحدة.
وسيواجه الرئيسان بايدن وروحاني معارضة شرسة في الداخل والخارج للعودة للاتفاق، خصوصا أمام أمر واقع جديد فرضته التركة التي خلفها ترامب. وسيتعين على الجانبين تقديم تنازلات متبادلة للخروج من المأزق خصوصا وأنهما يواجهان معارضة داخلية شديدة للاتفاق. غير أن إيران بدأت في المساومة في استباق لتسلم بايدن مقاليد السلطة. وبهذا الصدد كتب كيرستن كنيب في موقع دويتشه فيله (23 نوفمبر 2020) «ما لبث الرئيس الإيراني حسن روحاني أن تحدث بحذر عن مستقبل العلاقات الإيرانية الأميركية، حتى تداول موقع «جهان نيوز» الإيراني المحافظ تصريحات لقائد «سرايا القدس» إسماعيل قاني، أكد فيها أن سمة السياسيين الأميركيين هي الجهل، واصفا إياهم بالجبن لأنهم لم يخجلوا من التنكر لتوقيعهم أمام العالم (..) إنهم غير قادرين على التفاوض».
برلين تتطلع لولاية بايدن بتفاؤل.. ولكن!
وبهذا الصدد استغرب موقع «إس.تي.إن. شتوتغارته ناخريختن» الألماني (13 نوفمبر 2020) من «استمرار الخروقات الإيرانية بشأن البرنامج النووي، رغم أن بايدن أبدى استعداده للعودة إلى المعاهدة. من الواضح أن طهران تريد تعزيز قدرتها على المساومة في المفاوضات». من جهته، أكد دبلوماسي ألماني اشترط عدم ذكر (الاثنين 23 نوفمبر 2020) أن بلاده ترى فرصة للعودة إلى نهج مشترك بين الولايات المتحدة وأوروبا بشأن البرنامج النووي الإيراني عندما تتقلد الإدارة الأميركية الجديدة السلطة. وأضاف «مع تولي الإدارة الأميركية الجديدة السلطة في العام المقبل، ستتاح لنا الفرصة لاستخدام (الاتفاق النووي مع إيران) للغرض الذي وُجد من أجله أي تقييد البرنامج النووي الإيراني». يذكر أن الحكومة الألمانية طلبت من إيران في نفس الأسبوع الامتثال لاتفاق فيينا النووي. وقالت متحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية في برلين، إن إيران تنتهك الاتفاق بشكل ممنهج حاليا، مضيفة أن ألمانيا تدعو إلى جانب الشركاء، وخاصة الأوروبيين، طهران لوقف هذه الانتهاكات للاتفاقية، «والامتثال الكامل لجميع الالتزامات النووية مرة أخرى». الاهتمام الذي توليه ألمانيا لهذا الملف ظهر في اللقاء الذي جمع وزير الخارجية هايكو ماس في برلين مع نظيريه الفرنسي والبريطاني، جان-إيف لودريان ودومينيك راب، لبحث سبل المضي قدما لإعادة إحياء لااتفاق النووي مع الإدارة الأميركية الجديدة. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية «نحن واثقون من أن تبني الولايات المتحدة موقف بناء بشأن اتفاقية فيينا يمكن أن يساهم بشكل كبير في كسر الدوامة السلبية الحالية التي نلاحظها مع إيران».
لعبة الشطرنج ـ المساومة
على الطريقة الإيرانية
من جهته، استبعد المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي احتمال إجراء محادثات جديدة مع الغرب رغم الرسائل الإيجابية لبايدن. وتسعى واشنطن أيضا إلى كبح البرنامج الصاروخي لإيران الذي لا يشمله الاتفاق النووي، وكذلك الحد من تدخلاتها في الشرق الأوسط. ولطالما قالت إيران إنها لن تتفاوض بخصوص الصواريخ، ولن تشارك في محادثات ما لم تعد واشنطن للاتفاق النووي وترفع العقوبات دون شروط. وقال خامنئي: «جربنا طريق رفع العقوبات وتفاوضنا على مدى سنوات عديدة، دون أن يتحقق لنا شيء من ذلك. (..) يتدخلون في الشؤون الإقليمية ويطلبون منا عدم التدخل. وبينما تملك بريطانيا وفرنسا صواريخ نووية يطلبون منا ألا نمتلك صواريخ. ماذا ستفعلون بها؟ عليكم تصحيح أنفسكم أولا». وفي تصريحات صحفية سابقة، أكد وزير الخارجية محمد جواد ظريف أن بلاده ستعود «تلقائيا» إلى تنفيذ التزاماتها بموجب اتفاق فيينا عام 2015، في حال رفع العقوبات.
يذكر أيضا أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية طلبت من إيران تقديم توضيحات حول موقع نووي أثار لديها شبهات، معتبرة أنّ المعلومات التي تلقتها بشأنه من طهران «تفتقر للمصداقية من الناحية التقنية». وكانت طهران أبدت، بعد أشهر من الرفض، تعاوناً مع الوكالة من خلال السماح لمفتشيها في سبتمبر بالوصول إلى موقعين يشتبه في أنهما شهدا في الماضي أنشطة نووية غير مصرّح عنها. موقع «كروريي» الألماني (18 نوفمبر 2020) كتب بشأن العلاقة التي تربط وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بجو بايدن وكتبت «ظريف يعرف بايدن شخصيا منذ أكثر من ثلاثين عامًا، وكان يلتقي به لما كان يعمل كمندوب لبلاده في الأمم المتحدة بين (2002 و2007) في نيويورك. وخلال ولاية باراك أوباما وجو بايدن، تمت الصفقة النووية التي أسقطها ترامب. وشارك الدبلوماسي الكبير ظريف في تلك المفاوضات».
هل تقبل واشنطن بتعويض إيران عن سنوات ترامب؟
صحيح أن بايدن وعد بالعودة لاتفاق 2015، لكن الكثير من المياه جرت في النهر منذ ذلك الحين، حيث شدد على أنه سيكون «صارما» مع إيران، وربط أي عودة محتملة إلى الاتفاق النووي، بعودة طهران لكامل التزاماتها. من جهتها، أبدت إيران استعدادها للترحيب بعودة الولايات المتحدة، لكنها شددت على ضرورة اقتران ذلك بتعويض أميركي عما تكبدته منذ 2018 جراء إخلال واشنطن بالاتفاق. فالطريق لن يكون بالتالي مفروشا بالورود، إذ سيكون من الصعب على إدارة بايدن القبول بالشرط الإيراني. ثم هناك تصورات مختلفة بشأن سبل عودة الطرفين لآليات الاتفاق. فقد فرضت إدارة ترامب سلسلة من العقوبات ضد إيران، بل ولا تزال تفعل ذلك وهي في طور الخروج من البيت الأبيض، بل وتسربت معلومات عن خطط أجهضت، في اللحظة الأخيرة، بضرب مواقع نووية إيرانية قبيل مغادرة إدارة ترامب.
صحيح أن الرئيس المنتخب يمكنه إلغاء عقوبات ترامب، غير أن العملية برمتها لن تكون سهلة. وفي الجانب الآخر، أظهرت تجربة ترامب للإيرانيين أن التزامات الرؤساء الأميركيين يمكن إلغاؤها بجرة قلم من قبل أي رئيس آخر، ما يجعلهم بالتالي يفقدون ثقتهم في القادة الأميركيين. ولكن على الرغم من كل هذه الصعوبات، فليست هناك في الواقع بدائل واقعية لاتفاق 2015، خصوصا وأن عقوبات ترامب لم تمنع إيران من مواصلة تطوير برنامجها النووي. فوفقًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فقد خزنت إيران 12 ضعف كمية اليورانيوم منخفض التخصيب المسموح به بموجب اتفاق عام 2015، كما أدخلت للخدمة عددا من أجهزة الطرد المركزي بشكل لم يسبق له مثيل.
إيران ليست وحدها من يساوم في الأمتار الأخيرة؟
«كتبت صحيفة تاغسشبيغل» الألمانية (23 نوفمبر 2020) تحت عنوان بارز: ماذا وراء «المحادثات السرية» بين السعودية وإسرائيل؟ ووصفت الزيارة السرية جدا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين بأنها «ربما تصنع التاريخ، لأنها توجه رسالة للشرق الاوسط ولا سيما إلى إيران». واستطردت موضحة أن «إدارة ترامب يجمعها بالسعوديين والإسرائيليين عزم على وضع إيران في مكانها. يجب منعها بكل قوة من حيازة أسلحة نووية. ويرى الحلفاء الثلاث أن نفوذ طهران المتزايد في المنطقة يمثل تهديدًا. إن الجمهورية الاسلامية المسلحة نوويا، سيناريو مرعب بالنسبة لهم. إنهم لا يصدقون الكلمات المهدئة للنظام بأن البرنامج النووي هو للأغراض المدنية فقط».
ترامب انتهج سياسة مشددة، إذ لم يُعِد فرض العقوبات القديمة التي تم تخفيفها فحسب، بل فرض عقوبات إضافية عل الجمهورية الإسلامية، ما أصاب اقتصادها في الصميم. وهكذا انهارت العملة الإيرانية وتفشى التضخم كما تهاوت صادرات البلاد من النفط. ومن المفارقات أن إدارة ترامب أبقت على دعمها المالي للاتفاق النووي على الرغم من انسحابها منه. وظلت الولايات المتحدة تساهم في تمويل عمليات التفتيش المكلفة التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمراقبة الالتزام بالاتفاق. موقع «تيليبوليس» الألماني (24 نوفمبر 2020) ذكَر بما قاله وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، أحد أكثر المقربين الأوفياء لترامب، حين وصف إيران بأنها «التهديد المركزي للمنطقة» في وقت التقى فيه مع ممثلين عن حركة طالبان. وأشار الموقع لتسريبات بشأن خطط تداولها صناع القرار في البيت الأبيض مع إسرائيل بشأن إمكانية ضرب إيران قبيل مغادرة ترامب لمنصبه.
copy short url   نسخ
30/11/2020
1266