+ A
A -
سما حسن كاتبة فلسطينية
يجب أن تعتذر للسيدة فيروز، إن كنتَ مِن البؤساء الذين صادفهم سؤالٌ في امتحانِ معلوماتٍ عامَّة، في واحدةٍ من تلك المسابقات التي تقيمها المدرسة الإعدادية، ضمن نشاطٍ ثقافيٍّ لا منهجي، حيث كان السؤال: مَن هي جارة القمر؟ فلا تعرف الجواب، وربما خمَّنتَ أنه كوكب الزهرة؛ لأنه مؤنث، وكذلك فأنت أكثر بؤسًا، ربما، لأنك قد وُلدت في بيتٍ لا يفتتح صباحاتِه بصوتها، إنما بنشرة الأخبار الصباحية الموجزة، والتي تختتم بالنشرة الجوية؛ لكي يحدِّد الأب عدد القِطَع التي على الصغار ارتداؤها، قبل خروجهم، بصحبته، إلى مدارسهم، ثم يتوجَّه هو إلى مدرسته القريبة.
أنت بائسٌ، إذن، يا صاح؛ لأنك اكتشفتَ صوت فيروز متأخِّرًا، ولأنك اكتشفتَ صوتها وحيدًا؛ فلم يهدِ لك حبيب إحدى أغنياتها. وحين مرَّت من شريط عمرك مسافةٌ ليست قصيرة، وأنت تجد نفسك أخيرًا في الكتابة والقراءة، ثم تجد روحك تحلِّق مع صوتها، وتعتمدها وصفةً سحرية، لمن يشكون الضجر الصباحي غير المبرَّر.
ولكنَّك يجب أن تكون ممتنًّا للمصادفة التي وضعت أغنياتها، وصوتها المترنِّم، على جدول صباحاتك، بل أصبح افتتاحية الدقائق الأولى، قبل أن يزدحم نهارُك. وهنا تكتشف أنك تسمعه، مع رائحة الحليب على النار، ولو قرّرتَ أن تلتفت إلى الوراء، فسوف يفور فوق الموقد، وستحتاج لجهد في تنظيفه، وأنت تكون بحاجةٍ لكي تلتفت؛ لأنك تخيَّلت أن قيثارةً قد هبطت من السماء، وباتت تعزف في فراغ مطبخك الضيِّق، ولكن الالتفات مثل حركة الصيَّاد المنتظر لعصفور، منذ زمن، سوف يكلِّفك غاليًا، وكلَّ مرَّة تقع في الحَيْرة نفسها، فيما تؤكِّد للجميع أنك من عُشَّاق أم كلثوم، وتهمس لنفسك «هذا ما وجدنا عليه آباءنا».
صوت فيروز هو مخيَّر لهدف واحد. صوتٌ خالصٌ بلا أسباب، فلا تسأل لماذا غنَّت أغنيها الجديدة، أو أطلقت ألبومها الأخير؛ فلا مناسبة، سوى أن صوتها إنساني، فصوت فيروز يكشف لك سرًّا رهيبًا، أنه يعلمك كيف يعبُر الإنسان الأديانَ والمذاهب، والأجناس والأعراق، وأنه جامعٌ للأضداد، من الشرق والغرب.
copy short url   نسخ
26/11/2020
149