+ A
A -
هاني المصري كاتب فلسطيني
هل من الممكن أن يستمر الحوار الهادف إلى تحقيق الوحدة الوطنية، وكأنّ رسالة «المنسق»، وتفسير الرد الرسمي الفلسطيني عليها بأن إسرائيل أكدت التزامها بالاتفاقات، لم يحدثا شيءًا؟ أم لا يمكن ذلك، على خلفية أن الموقف المشترك من رؤية ترامب ومخطط الضم وقرار التحلل من الاتفاقيات المتخذ في 9 مايو الماضي؛ وفّر الأساس السياسي لجولة الحوار الأخيرة؟
إن الحديث عن التزام إسرائيل بالاتفاقات لم يأخذه أحد على محمل الجد، فما لم تلتزم به إسرائيل في شروط كانت أحسن للفلسطينين لا يمكن أن تلتزم به الآن.
الجواب عن السؤال ممكن أن يكون من شقين:
الشق الأول: الجواب عنه نظريًا، نعم، يمكن استمرار الحوار، والدليل أن حوار القاهرة بدأ في العام 2005 وكانت المنظمة ملتزمة بالاتفاقيات والالتزامات المترتبة عليها، وهو ما عرّض حركة حماس للانتقاد، لأنها لم تشترط إلغاء اتفاق أوسلو قبل المشاركة في السلطة، كما تم التوصّل إلى «اتفاق القاهرة» في العام 2011، وما تبعه من اتفاقات من دون التخلي عن الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال، بل كان البحث يدور في تلك الفترة عن إمكانية موافقة «حماس» على هذه الاتفاقيات، أو على شروط اللجنة الرباعية الدولية، لدرجة أن حكومة «حماس» برئاسة إسماعيل هنية أكدت في برنامجها احترام هذه الاتفاقيات، ولم يشفع لها ذلك، لأن كان المطلوب منها الالتزام بهذه الاتفاقات، وليس احترامها فقط.
المبرر الذي كان يساق للانخراط في سلطة أوسلو بأن الاتفاق يلفظ أنفاسه، وأن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود.
أما الشق الثاني، فإن الجواب عليه يفيد بأن استمرار الحوار سيفسر على أنه تواطؤ أو توفير الغطاء للعودة إلى الاتفاقيات (حاضنة السلطة)، خصوصًا أنها تتم في ظروف أسوأ، إذ بات أوسلو هو السقف الأعلى الجاري العمل للوصول إليه. فقد جرت مياه كثيرة منذ العام 1993، اتضح فيها وتكرس طوال تلك المدة، لا سيما بعد اغتيال إسحاق رابين في العام 1995 إلى الآن، أن إسرائيل لم تعد تطبق التزاماتها في اتفاق أوسلو وملحقاته، بل تجاوزتها كليًا، وأنها لم تقم بالإعلان الرسمي عن إلغائه حتى يستمر الجانب الفلسطيني بالوفاء بالتزاماته، وحتى لا تتحمل المسؤولية عن موته أمام العالم كله.
الخلاصة مما سبق، إذا كانت المصالحة تستهدف تكريس الأمر الواقع المنخفض سقفه كثيرًا عن سقف اتفاق أوسلو، والذي يتدهور باستمرار، ويهدف إلى تصفية القضية من مختلف جوانبها؛ فعندها لا مشكلة في مواصلة الحوار لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، والبحث سيكون عن مخرج لمشاركة «حماس» ضمن السلطة والمنظمة، وكيفية تجاوز حاجز شروط اللجنة الرباعية، وبهذا المعنى يكون الحوار والوحدة إن تحققا تأبيدًا للأمر الواقع.
أما إذا كانت المصالحة تستهدف النهوض بالشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية من المنحدر الذي وصلت إليه كما هو مفترض، ويهدد بالوصول إلى كارثة وطنية كاملة الأركان، فالمطلوب في هذه الحالة أن يكون حجر الأساس في الحوار والوحدة التخلي الكامل، أو الاستعداد العملي على الأقل، عن اتفاق أوسلو والتزاماته، وعن الأوهام والرهان على الآخرين والتسوية التفاوضية التي ماتت وشبعت موتًا، ولن يحييها جو بايدن، لأنه صهيوني ومؤيد كبير لإسرائيل، ولا يوجد على أرض الصراع وفي المنطقة عوامل ومعطيات تدفعه للضغط على إسرائيل، بل ما تشجعه، على العكس تمامًا.
هل نريد وحدة وطنية على أساس استراتيجية جديدة وشراكة حقيقية وديمقراطية توافقية، أم نريد وحدة لتكريس الوضع البائس الراهن المتدهور باستمرار، وما يمكن أن يؤدي إليه بقصد أو من دون قصد إلى التغطية على محاولات تصفية القضية الفلسطينية؟
في الختام، أحذر من إعادة إنتاج المحاولات السابقة لتحقيق المصالحة التي كانت أقرب إلى إدارة الانقسام، كما ظهر في تركيزها على تشكيل الحكومة، أو فرض سيطرتها على قطاع غزة، أو إجراء الانتخابات، أو تشكيل لجنة تحضيرية للمجلس الوطني، أو عقد اجتماع الأمناء العامين كمدخل لإنهاء الانقسام، وتوضع القضايا الأخرى على الهوامش، في حين إن الحل الممكن هو حل الرزمة الشاملة الذي يشمل كل القضايا، بحيث يكون مدخله تشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على توفير إجراء الانتخابات، وعلى أن تطبق بشكل متكامل ومتوازٍ لتخرج القضية منتصرة.
copy short url   نسخ
26/11/2020
119