+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
الكرم هو إنفاق المال الكثير بسهولة من النّفس في الأمور الجليلة القدر، الكثيرة النّفع، وقيل: هو التّبرّع بالمعروف قبل السّؤال، والإطعام في المحل، والرّأفة بالسّائل مع بذل النّائل.
وقيل: الكرم هو إفادة ما ينبغي لا لغرض فمن يهب المال لغرض جلبا للنّفع، أو خلاصا عن الذّمّ، فليس بكريم. فالكريم من يوصل النّفع بلا عوض، لذا قال أبو حامد الغزاليّ: والكريم من أسماء الله تعالى؛ هو الّذي إذا قدر عفا، وإذا وعد وفى، وإذا أعطى زاد على منتهى الرّجاء، ولا يبالي كم أعطى ولمن أعطى، وإن رفعت حاجة إلى غيره لا يرضى، وإذا جفي عاتب، ولا يضيع من لاذبه والتجأ. ويغنيه عن الوسائط والشّفعاء، فمن اجتمع له جميع ذلك لا بالتّكلّف، فهو الكريم المطلق وذلك لله سبحانه وتعالى فقط. وقيل: الكريم: هو الكثير الخير، الجواد المعطي الّذي لا ينفد عطاؤه، وهو الكريم المطلق. والكريم: الجامع لأنواع الخير والشّرف والفضائل. والكريم اسم جامع لكلّ ما يحمد، فالله- عزّ وجلّ- كريم حميد الفعال وربّ العرش الكريم العظيم.
والكرم إذا وصف الله به فهو اسم لإحسانه وإنعامه، وإذا وصف به الإنسان فهو اسم للأخلاق والأفعال المحمودة الّتي تظهر منه، ولا يقال: هو كريم حتّى يظهر منه ذلك. قال بعض العلماء: الكرم كالحرّية، إلّا أنّ الحرّيّة قد تقال في المحاسن الصّغيرة والكبيرة، والكرم لا يقال إلّا في الكبيرة؛ كإنفاق مال في تجهيز جيش الغزاة، وتحمّل حمالة ترقأ بها دماء قوم. وقوله تعالى:(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ)، إنّما كان كذلك لأنّ الكرم الفعال المحمودة، وأكرمها ما يقصد به أشرف الوجوه، وأشرف الوجوه ما يقصد به وجه الله، فمن قصد به ذلك فهو التّقيّ. فإذا أكرم النّاس أتقاهم، وكلّ شيء يشرف في بابه وصف بالكرم، نحو قوله تعالى:( أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ)، (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ)، (وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً).
كذلك من معاني الكرم في القرآن الكريم: الحسن، قال تعالى: (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ)، والسّهل، قال تعالى: (وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً)، كذلك الكثير، قال تعالى: (وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً)، والعظيم، قال تعالى: (رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) والفضل. ومنه قوله تعالى في (بني آدم): (أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ). أي فضّلت عليّ، وفيها: (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) أيضاً الصّفوح، ومنه قوله تعالى (ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ).
فالكرم من كمال الإيمان وحسن الإسلام، ودليل حسن الظّنّ بالله تعالى، لذا الكريم محبوب من الخالق الكريم وقريب من الخلق أجمعين، كذلك فالكريم قليل الأعداء والخصوم لأنّ خيره منشور على العموم، فهو موافق للفطرة الصّحيحة لذلك كان العرب يتمادحون به.
{ أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
copy short url   نسخ
25/11/2020
620