+ A
A -
يبدو أنّ رئيس الحكومة العراقية حرّك ذاكرة صناعة النكتة السياسية، إذ عاد بعد أيام مِن «الحليم» قائلاً لصحيفة الغارديان، في زيارته أخيرا بريطانيا، إنه يواجه مخاطر الميليشيات كعازف ناي للأفاعي، يراقصها ليبقيها تحت تأثير العزف. أضحكَ كثيرين مجدّداً، وبات العزف للأفاعي والناي والرقص مع الحيّات مدعاة السخرية أو الشفقة.
سجل مصطفى الكاظمي، في فترة قياسية، اسمه في تاريخ النكتة السياسية في العراق. رئيس الوزراء المحاط بمستشارين من الأوساط الصحافية والثقافية أكثر من أي حاكم عراقي، والمفترض أنه عارفٌ بشؤون الكلام وطريقته، كونه مرّ بتجربة عمل صحفي، يتصرّف بطريقة عاجزة تماماً عن إيجاد خطابٍ مُقنِع، أو على الأقل ينطوي على رؤيةٍ جادّة. وهو في فترة قياسية يفقد التعاطف، على الرغم من أنه بين القلائل الذين حصلوا عليه بحكم الظروف، وبحكم إيمان كثيرين بأنه وجه غير موال لولاية الفقيه الإيرانية. وقد تحوّل التعاطف لدى شريحة غير صغيرة إلى شفقة، ولدى أخرى إلى اتهامٍ بالمحاباة أو الخوف أو فقدان الجدارة.
وخلال حوالي ستة شهور من رئاسته الحكومة، إلى جانب ما أظهر مِن ضعف أو إثارة للتهكم، يظهر أيضا رغبة صريحة بالمحافظة على العلاقات اللازمة للبقاء في واجهة المشهد، والحصول على فرص العودة إليه عبر الانتخابات، أو عبر التحالفات المستقبلية. بمعنى آخر، جاء الضعف الذي أبداه الكاظمي جرّاء محاولته الحفاظ على المسافة الضرورية لحماية مستقبله سياسيا لا يريد خسارة كُرَاته، ويريد إبقاء قدميه في أكثر مِن مكان. وبتعبير ثالث، ليس هدف الكاظمي تسيير الحياة الاجتماعية والسياسية بما ينسجم مع مرحلة ما بعد الحركة الاحتجاجية منذ أكتوبر من العام الماضي. أبداً هو لم يتصرف بموجب كونه وليد لحظةٍ منتفِضة، إنما انتهج ما يعاكسها، مسوِّفا ولا مباليا الوعود، لا يختلف في هذا وذلك عن سلفه عادل عبد المهدي. ما يربو إليه الحصول على جواز عبور بين كبار العملية السياسية في مستقبلها، وتحديداً في الانتخابات.
ومن جانب آخر، الرجل، نوعا ما، نسخة عن رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي، وتحديداً عام 2015، عندما أراد الاستفادة مِن الحركة الاحتجاجية ذلك العام، فقدّم ما عُرفت بحزمة الإصلاحات، لكنه لم يذهب إلى أبعد. وأيضا لم يتطوّر الكاظمي تطوراً يشبه زمن الحركة الاحتجاجية الأقوى في تاريخ العراق. بل المستشارون المحيطون به، وبعضهم ممن يُعَدون متنورين أو مدافعين عن التحولات الضرورية بعيداً عن سياسة القمع والتسويف والفساد، يكرّرون الأنساق نفسها مِن خطاب السلف. خطاب تخوين واتهام وإشارة بالبطش محاطة بمكياج النيات الحسنة ما يزال سائداً.
امتلك مصطفى الكاظمي فرصة جبارة ليستثمر لحظته، ما دام أعطى لنفسه الحق بأنْ يكون في واجهة المشهد، من دون رغبة بإرضاء الجميع كبائع يسوّق بضاعة باتت مُزجاة. الفرصة تمثلت بالذهاب بعيداً في احترام شعبٍ قدّم مئات الأضاحي من أجل التغيير، وأنْ يكون صورة عنه، لا أن يصبح مجرّد امتداد لعرّابَيْه: حيدر العبادي وبرهم صالح.عمار السواد
كاتب عراقيالعربي الجديد
copy short url   نسخ
24/11/2020
340