+ A
A -
سما حسن
كاتبة فلسطينيةحذَّر المدافعون عن اللغة العربية من استخدام لفظ «الكمامة»، ذلك الواقي الطِّبي الذي بات يستخدمه الناس، ضمن تدابير الوقاية من فيروس كورونا. وعلى الرغم من أن اللفظ ليس مناسبا، إلا أن هذا الواقي على الوجه قد ينقذك كثيرا، ليس من الفيروس بالطبع، فأنت لا تدري كيف سوف يتسلَّل إليك، ولو اطلعت على الدراسات والأبحاث الطبية، لاكتشفت أن العلماء في حَيْرة من إصابة مرضى بهذا الفيروس.
إذن، لا مأمن، ولا نجاة، ولكن عليك اتخاذ تدابير الحذر، حتى يتم تعميم لقاحٍ مرتقبٍ للفيروس. ومن هذا المنطلق فقد أحطّتُ فمي وأنفي بهذا «اللثام»، وتوجَّهت إلى البنك، لتحديث بياناتي ، والتي لم تتغير، منذ سنوات. . وهكذا توجَّهت إلى فرع البنك في مدينتي الصغيرة، وبعد المرور بالإجراءات الاحترازية على البوابة الرئيسية، كنت أتخذ دوري على كرسيٍّ مريح وبرَّاق، وحرصت على التباعد، بالطبع، عن العملاء الآخرين الذين وفدوا لتحديث بياناتهم.
طال انتظار دوري، وكدتُ أتقدَّم نحو الموظف الذي يملأ البيانات للعملاء، بحسب دورهم؛ لأخبره أنْ لا شيء تغيَّر في حياتي، مثل العنوان، ورقم الهاتف، وحتى اسمي، فأنا أمتلكه، منذ نحو نصف قرن، ولكني لم أفعل؛ لأن عيني وقعت على شخص دفَع بالذكريات إلى عقلي، وجعلني أتناسى دوري في الانتظار المريع.
كان يجلس قبالتي ويضع الكمامة على وجهه، ولكني تعرَّفته، وهو بالطبع لم يتعرَّفني، فهو من هؤلاء البشر الذين يحاولون إثبات أنهم مهمُّون، في هذا العالم، لم يتغيَّر فيه سوى خطوط تجاعيد حول عينيه، وبعض شيبٍ غزا فوديه، وغير ذلك لم يتغيَّر شيء، خصوصا نحافته الشديدة.
كان وحيد والديه، ولديه ثلاث أخوات، ولكنه منذ صغره، يتعامل مع العالم أنه سيِّد وملك، وقد عزَّز والداه ذلك الشعور لديه، وكان هو أول مشاريع قصص الحب الوهمية في مخيَّلتي عن ابن الجيران، ولكنه استغلّ مشاعر ساذجة، وبدأ مقايضتي، على القصص المصوَّرة في مكتبة أبي، مقابل ألعاب بلاستيكية بلهاء كان يسرقها من شقيقاته. كنت ساذجة؛ لأني كنت أقبل أن استبدل الخيال بواقع كاذب، وكنت أقبل أن يسرق أحلام شقيقاته لكيدٍ نسويٍّ صغير داخلي، حمدت الله كثيرا أنه لم يكبر.العربي الجديد
copy short url   نسخ
21/11/2020
123