+ A
A -
رغم أزمات العرب المثقلة التي تتشابك فيها نسب الفقر مع الجوع مع البطالة مع التخلف في دائرة جهنمية، غير أن الإحصائيات تصر لتخبرنا أن هذا الوطن المجروح من الوريد إلى الوريد هو نفسه من يسجل الأرقام الأولى على مستوى المعمورة في قوائم الاستهلاك الترفي وعلى رأس ذلك عمليات التجميل ومبيعاته، مستحضراته وأدواته.. خذوا نفسا عميقا وانظروا للأرقام التالية يا رعاكم الله! يُنفق العرب على عمليات التجميل ومستحضراته حوالي 25 مليار دولار سنويا (أغلبها في دول الخليج). وحسب التقارير، يتوقع أن يتجاوز الإنفاق السنوي على هذا الأمر 34 مليار دولار بحلول عام 2020-2021، بينما كلفة عمليات التجميل الجراحية في دول الخليج العربية تقترب من 4 مليارات درهم سنويا (ما يساوي مليار و69 مليون دولار) ربعها ينفق في الإمارات وحدها.
شخصيا، تبدو لي هذه الأرقام صادمة وتثير شيئا من الدهشة والتعجب لحالة الهوس التي وصلت إليه مجتمعاتنا.
قدرنا أننا شاهدون على فترة عايشنا فيها الكثير من أشخاص سلّموا أنفسهم لغرف العمليات ومشارط الجراحين في المستشفيات والعيادات لحقن الشفاه وشد الوجه وتكبير وتصغير وشفط وشد أجزاء من الجسد.. لكأن مجتمعاتنا تعيش حالة انفصام حقيقية، فحين يكون هذا الإنفاق الضخم من المليارات على التجميل ومستحضراته، في ظل ما تواجهه دول المنطقة بلا استثناء من أزمات اقتصادية واجتماعية طاحنة تأكل الأخضر واليابس تهدد مستقبلها ومستقبل أجيالها.. هلّا نظرنا لمؤشر الجوع العالمي لعام 2018 وعام 2019 واكتشفنا حجم المأساة التي نعيشها!
من يحتاج جراحة تجميلية هو واقعنا المتردي الذي يزداد تشوّها على تشوّه، إن تربة كهذه تحتاج لمشرط جراح يقوم بعملية نزع التخلف والتبعية والخضوع وزراعة الشجاعة وشفط الجبن، ونفخ الكرامة، وتغليظ المواقف، وشدّ الصفوف وتصغير الأحقاد والضغينة.. يا الله كم يحتاج وطننا العربي لعمليات تُجمّل الضمائر المتيبسة.
copy short url   نسخ
28/10/2020
2638