+ A
A -
كتب أكرم الفرجابي
أدانت دول عربية وإسلامية استمرار نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، تحت ذريعة حرية التعبير، لما تمثله من إيذاء لمشاعر ما يقارب من ملياري مسلم وتشكل استهدافا واضحا للرموز والمعتقدات والمقدسات الدينية وخرقا فاضحا لمبادئ احترام الآخر ومعتقداته، كما نددت بأي محاولات تمييزية تسعى لربط الإسلام بالإرهاب، تزييفا لجوهر الدين الإسلامي الحنيف، القائم على التسامح واحترام الآخر، واستغربت الخطاب السياسي الرسمي الصادر عن بعض المسؤولين الفرنسيين، الذي يسيء للعلاقات الفرنسية الإسلامية ويغذي مشاعر الكراهية.
وأرجع عدد من أساتذة الشريعة وعلماء الدين أسباب التطاول الغربي على رسولنا الكريم، إلى وجود أسباب دينية وأخرى فكرية ثقافية، وثالثة تاريخية ونفسية، كما أن من الأسباب ما يرجع إلى اتهام المسلمين أنفسهم بالتقصير في البيان والرد.
وأشار هؤلاء في تصريحات خاصة لـ «الوطن» إلى أن التعامل مع ظاهرة الرسوم المسيئة يجب أن يكون بالحكمة والموعظة الحسنة، واتباع الأساليب القانونية واللجوء إلى مؤسسات المجتمع المدني وإلى كل ما هو متاح، لافتين إلى إمكانية اتخاذ إجراءات اقتصادية ضد الدول المسيئة لنبينا الكريم وغير ذلك من الوسائل السلمية.
المساس بالعقيدة
بدايةً يقول الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، سماحة الشيخ الدكتور علي محيي الدين القره داغي: نؤكِّد كعلماء وكأفراد أنَّ أيَّ مساسٍ بالعقيدة والمقدَّسات والرموز الإسلامية هو أمرٌ غير مقبول نهائياً، مشيراً إلى أننا نرفض رفضاً قاطعاً أي اساءة لأي دين من الأديان ليس لديننا الإسلامي الحنيف فقط، وأضاف: نحن لا نقبل أن توجه الرسوم المسيئة إلى سيدنا المسيح أو إلى سيدنا موسى أو إلى أي نبي من الأنبياء أو كذلك إلى أي دين من الأديان، لقوله سبحانه وتعالى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ)، لافتاً إلى أن ديننا يحترم معتقدات الناس ورب العالمين يقول: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)، من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر نحن لسنا ضد الحرية، ولسنا ضد الانتقاد الموضوعي لأي شيء، ولكن نحن ضد الاستهانة والاستهزاء والسخرية والإساءة للأديان.
الموعظة الحسنة
وأكد د. القره داغي أن مثل هذه التصرفات لا تدخل في إطار الحرية، باعتبار أنه حتى في المفهوم الغربي الحرية تتوقف عندما تمس كرامة الآخر، واصفاً الإساءات التي تحدث في فرنسا وفي بعض الدول كتمزيق القرآن والإساءة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، بأنها إهانة واستهانة بـ 1.7 مليار مسلم، مبيناً أن الإسلاموفوبيا وغيرها من المصطلحات لا توجد إلا ضد الإسلام، متسائلاً: لماذا لا يتحدثون عن المسيحية واليهودية والبوذية، منوهاً بأن هنـــاك إبادة كاملة تحدث للمسلمين في الصين ولا أحد يتكلم، بالإضافة إلى محاولة الحزب الهندوسي العنصري الذي يريد إخراج ثلاثين مليون مسلم، ولا أحد يتكلم أيضاً إلا على الإسلام، مؤكداً أننا لا نقبل ولا أمتنا تقبل بذلك، ونسعى بكل جهودنا لمنع هذه الأمور، ولكن بالطبع لن يكون ذلك إلا بالحكمة والموعظة الحسنة، والأساليب القانونية واللجوء إلى مؤسسات المجتمع المدني وإلى كل ما هو متاح لنا، وإذا اضطررنا سوف نقوم باتخاذ إجراءات اقتصادية ضد الدول المسيئة لنبينا الكريم وغير ذلك من الوسائل السلمية.
المراهقة السياسية
من جهته قال العميد المساعد للبحث والدراسات العليا بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة قطر، أ.د. محمد المجالي: في الوقت الذي تسعى فيه الدول إلى التقارب الإنساني بأشكاله المتنوعة، وتحقيق المصالح المتبادلة ثقافيا واقتصاديا وسياسيا، وطمس أي معلم من معالم الكراهية، ونبذ أي شكل من أشكال التمييز العرقي والديني والطائفي، وكذلك في الوقت الذي تتجه فيه الدول الناضجة إلى القيم السامية والقضايا الرئيسة، من تأكيد حقوق الإنسان، وتحقيق الشعوب حريتها، والسعي إلى السلم العالمي، والاستعلاء فوق اللهجة الاستعمارية المستكبرة، نرى بعض السياسيين يمارسون مراهقة سياسية حاقدة ضد الإسلام والمسلمين عموما، ونبينا خصوصا، حيث صرح الرئيس الفرنسي قبل أيام بأن الإسلام يعيش أزمة في كل مكان، ولم يكلف نفسه أن يفرق بين الإسلام دينا ورسالة، وبين بعض المسلمين الذين ربما يمارسون –كغيرهم من أتباع الديانات– أعمالا غير مقبولة، من أجل التشهير والاتهام واللمز بالإسلام، لا لشيء إلا أنه الدين الأكثر انتشارا في العالم.
موجة الكراهية
ويشير د. المجالي إلى أن ماكرون عاد مرة أخرى ليشجع نشر الرسوم المسيئة لنبي الإسلام عليه السلام، في وقت تؤكد فيه الدول الراقية على تجنب الإساءة إلى الرموز الدينية وتجريمها، غايته استفزاز 1.7 مليار مسلم، وإحياء موجة جديدة من الكراهية بين الشعوب، بل نجده يتدخل ضد مصالح المسلمين في ليبيا وتركيا وأذربيجان ومالي، موضحاً أن علماء الإسلام يؤكدون دوما على احترام حرية الإنسان، ونفي مبدأ الإكراه في علاقات البشر، حرية مسؤولة لا تسمح باستعداء الآخرين خاصة في معتقداتهم وما يمس وجدانهم ومشاعرهم، وإلا انقلبت الحياة إلى نزاعات وعداوات نحن في غنى عنها، مؤكداً على رفض أية إساءة إلى الدين الإسلامي ومقدسات المسلمين ورموزهم؛ والمسلمون أنفسهم يأبون على أنفسهم الإساءة إلى الآخرين، وليكن الحوار الحضاري هو البديل، «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله... فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون».
هجمة متنامية
ومن ناحيته أشار أمين عام الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، فضيلة الشيخ الدكتور محمد يسري إبراهيم، إلى أن المسلمين اليوم يقفون أمام حملة غربية عالمية تهتك كل حرمة وتحارب كل فضيلة، وتقدم الإسلام لشعوبها على أنه الخطر المقبل الذي سيهلك الحرث والنسل، ويدمر منجزات الحضارة الحديثة ويغرق البشرية في طوفان من الدماء والأشلاء، لافتاً إلى أن السنوات القليلة الماضية شهدت هجمة متنامية على شخص النبي صلى الله عليه وسلم، تجسدت في نشر رسوم دنماركية مسيئة، تبع ذلك تجاوب نرويجي ففرنسي فأسباني فأرجنتيني، قبل أن يعود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ويصرح بأن بلاده لن تتخلى عن الرسومات المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم وللرموز الإسلامية.
نصرة النبي
وأضاف د. إبراهيم: لا شك أن الأمة بمختلف فئاتها قد هبت لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم، وعبرت عن غيرتها على حرمته صلى الله عليه وسلم بأشكال متعددة، لكن الأمر بات يستوجب وقفة متأنية مع هذه المستجدات ومحاولة فهمها وتجميع عناصرها السابقة والمعاصرة وربطها في محاولة لإدراك الظاهرة حتى يجري التفاعل والتعامل معها بشكل صحيح، وبناءً على ذلك فإن هدفنا يجب أن يكون هو رد العدوان عن ثوابت الإسلام ومقوماته والذود عن جناب نبينا صلى الله عليه وسلم والدفاع عن حرماته، وإذا رجعنا إلى أسباب هذا التطاول سنجد أنها أسباب دينية وأخرى فكرية ثقافية، وثالثة تاريخية ونفسية، كما أن من الأسباب ما يرجع إلى اتهام المسلمين أنفسهم بالتقصير في البيان والرد، لذلك يتعين العمل على إعادة تشكيل العقل الغربي حول الإسلام وثوابته والتصدي المباشر لحملات الإساءة والتشويه بمختلف الوسائل، بالإضافة إلى العناية بالداخل الإسلامي وتقويته وإنهاضه.
حيلة العاجزين
وبدوره أوضح الداعية بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ثابت القحطاني، أن الأمة الإسلامية تمر اليوم باختبار حقيقي وامتحان رباني ليميز الله الخبيث من الطيب وليتبين المنافق من غيره، مستدلاً بقوله تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ)، مبيناً أن السخرية بالدين وبالنبي الكريم صلي الله عليه وسلم ليست وليدة اللحظة، بل هي حيلة العاجزين وبضاعة المفلسين، عندما أعيتهم الحجة وغلبهم البيان بصدق النبي صلى الله عليه وسلم لجأوا بعد ذلك إلى السب والشتم، مؤكداً بأن اليوم هو موقف أمة الإسلام، التي يجب عليها أن تقف صفاً واحداً في وجه هذه الحملة النجسة، التي يقوم عليها أعداء الإسلام ويطبل لها المنافقون من أبناء المسلمين.
صفاً واحداً
وحول ما الذي يجب علينا فعله اليوم، قال القحطاني: أولاً لا خير فينا إن لم نقف صفا واحداً للدفاع عن نبينا الكريم، وبطن الأرض أحب إلينا من ظاهرها إن عجزنا أن ننطق بالحق أو ندافع عن النبي صلى الله عليه وسلم، داعياً المشاهير والشعراء والرياضيين والكُتاب إلى تسجيل موقف يبقى لهم ويذكرون به بعد وفاتهم، ولهذا قال الشاعر: «قد مات أقوام وما ماتت فضائلهم.. وعاش أقوام وهم في الناس أموات»، واليوم يجب على المسلمين أن يتركوا لهم بصمة، وأن يتعرفوا على مقام النبي صلى الله عليه وسلم بدراسة هداه وتأثير أحواله والدفاع عن سنته وكثرة الصلاة عليه، ومحبته صلى الله عليه وسلم أكثر من النفس والأهل والمال، وهذا على الصعيد الفردي، أما على صعيد بعض الناس الذين لديهم القدرة سواء كان صاحب قلم أو كان من المشاهير أو من الشعراء فنحن نقول: «اليوم هو يومكم»، الحمية لابد أن تكون للدين نصرة لرسول الله الكريم، ونحن لا نخاف على مقام النبي من جهالة السفهاء لأن الله دافع ويدافع، وهو منتقم لنبيه ممن طعن عليه وسب، ولكننا نخاف إن قصرنا في نيل هذا الشرف، إن كانت نصرة المسملين واجبة فما بالك بنصرة النبي صلى الله عليه وسلم التي هي أوجب، والنبي يقول «انصر أخاك ظالما أو مظلموما»، فحق على المؤمنين نصر رسولنا الكريم.
copy short url   نسخ
25/10/2020
6225