+ A
A -
منال عمر عبده
كاتبة سودانية
ليس السجن العقابي وحده الذي يسلب حرية وحركة الإنسان حيث إن التجارب الانسانية أثبتت أن هناك من تخطوا ذلك الحاجز المادي للسجن بتفكيرهم، فكم من مفكر أو كاتب كان السجن دافعه للإبداع فكانوا أحرار الفكر...
لكن هناك سجناء استطاعوا ان يصنعوا سجونا لأنفسهم من أفكارهم فهم متوهمون بالحرية رغم انهم يتنفسون الهواء الطلق ويرددون لفظ الحرية ولكن ما هي إلا كلمات فهم سجناء بجدران رمزية منعتهم من ان يكونوا أحرارا فكانوا بحق سجناء في زنزانة الأفكار المظلمة....
قد نتساءل ما الذي يجعل من لديه كل هذه القدرات العقلية ان يكون سجين فكرة أو شخص أو اعتقاد أو ماض أليم، إن التعصب لفكرة معينة تعطي الشخص قناعته بأن من يختلف عنه له نظرة دونية الذي يختص بها سجناء الافكار خصومهم فهو بذلك كأنه يضع سلكا شائكا أقنع به نفسه، بأن ما داخل السياج هو الصح أما خارجه فهو الخطأ....
اذا تطرقنا لمثال امرأة سيطرت عليها أفكار الموضة، وجعلت منها مدارها حتى غدت سجينة للجديد من الملبس والاكسسوارات حتى لو كانت غير لائقة عليها، بل وحتى الحركات واسلوب الكلام وطريق الحياة وهذا ما اصبح منتشرا كظاهرة بين اغلب النساء، وهو هوس عمليات التجميل وتغيير اشكالهن والتركيز على التجميل الخارجي اكثر من التجميل الداخلي، فقد اتصفت المرأة بالجمال لكن ان يصل الأمر لحد الهوس بفكرة تسيطر على عقولهن فهذا السجن الرمزي يسحب الإنسان من عالم الواقع إلى عالم صنعه الإنسان من خياله وأعطاه روحا من دون تفكير؛ فيكون على قناعة تامة ان هذا العالم هو الوحيد المطروح للعيش وفقه بل انه أفضل الانماط الحياتية...
اذا تطرقنا إلى مثال آخر لرجل آمن بفكرة دينية أو لا دينية حتى بلغ حق اليقين، وكل من دونه من البشر في ضلال كبير فهو بذلك يقع في براثن الافكار المتطرفة، ويعتقد انه امتلك سلطان عقول الناس، ومن هنا يبدأ العنف والتصور الخاطئ بامتلاك الحق الذي لا يشبه باطلا...
ان السبب الرئيسي في دخول سجن الافكار هو طغيان العاطفة في تقدير الموقف فتعمى العين عن الحقيقة، وتجانب الصواب لأن العاطفة منفلتة عن العقل بحيث تكون الافكار مبنية على رد فعل فقط...
ان السجن في الماضي من اكثر الافكار دمارا للذات، فقد يعيش البعض في ماضيهم سواء حزين أو سعيد فهذا يؤدي إلى ضياع اهم مراحل الحياة المعاشة؛ فيسيطرعليهم الخوف من التغيير الذي هو ديمومة الحياة، فقد يخاف سجين الماضي من تغيير وظيفة أو الانتقال إلى مكان آخر حتى لو كان افضل...
ان سجين الماضي قد يعاني من الاكتئاب نتيجة الصراع الداخلي بين نزعته الطبيعية للتغيير كإنسان، وفكرة الشعور في سجن الماضي..
ان الصنمية في الافكار هي ان تغدو هذه الافكار غير قابلة للنقاش ولا التغيير ودحض تلك العقبة في النفس ان لا ينافش الإنسان معتقداته وان عرضها على الدليل أمر غير مجد؛ فالفكرة التي لا تقوم على أي دليل هي خرافة على المرء ان يتخلى عنها...
تحدث افلاطون عن سجناء الافكار وسماهم (سجناء الكهوف) فيقول انهم جماعة في داخل الكهف ولكنهم اعطوا وجوههم للحائط وأعطوا ظهورهم لفتحة الكهف فكانت اشعة الشمس تنعكس على حائط الكهف ظلالا لكل شيء يكون بالخارج فأصبحت أفكارهم عبارة عن الحياة ليست سوى ظلال لأشعة الشمس الساقطة من وراء ظهورهم فأصبحت الحقائق عبارة عن ظلال فقط.
على الإنسان ان يتحرر من الأفكار السلبية، وقبول التغيير وذلك بأن يرى ويسمع ويقرأ أو يطلع على كل شيء، ان يخوض كل تجربة بنفسه لأن ما يقنعك قد لا يقنع غيرك؛ فوجود الإنسان سجينا لفكرة معينة كفيل بأن يضيع حياته ويقضى على احلامه ويحرم نفسه من ممارسة انسانيته..
اذن فلنترك أي ماض كان سجنا لنا؛ فالماضي قد يكون ملكا لآخرين أو ملكا لظروف اخرى غير موجودة حاليا فالحاضر فرصة لتصحيح اخطاء الماضي فلنعش بحرية في افكارنا ومشاعرنا فلنعش بيقظة دائمة، فالحرية بكل أشكالها قرار من داخلنا حتى لا نكون سجناء لأي فكر أو ماض أو شخص أو غضب أو ضعف؛ فالحرية ان تتجرد دون تلك الاشياء حتى نرى أنفسنا.
[email protected]
copy short url   نسخ
24/10/2020
871