+ A
A -
بات رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري، اعتباراً من الخميس، رئيساً مكلفاً للحكومة، واعداً بأن تكون عملية التأليف سريعة. وعلى الرغم من أن التكليف بدا في الظاهر سلساً، إلا أن التأليف حتماً لن يكون بهذه السلاسة، لا سيما في ضوء المطالب بدأت بالظهور عقب الاستشارات النيابية غير الملزمة.
وعلى الرغم من الإيجابية التي حاول رئيس مجلس النواب نبيه بري إظهارها عقب الاجتماع الثلاثي في بعبدا، إلا أن المناخات المعقدة برزت شكلا، أقله في يوم استشارات التكليف في قصر بعبدا من خلال الأجواء المشدودة التي طبعت صور بعض الوجوه ولا سيما منها وجه الرئيس الحريري الذي كان متجهما.
وأظهر الرئيس الحريري في بيانه الأول طريقته لمواجهة مرحلة التأليف، إذ اتسم البيان باقتضاب وبدلالات حازمة حيال التزاماته في تأليف «حكومة اختصاصيين من غير الحزبيين مهمتها تطبيق الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية الواردة في ورقة المبادرة الفرنسية». وتوجه إلى اللبنانيين «الذين يعانون من الصعوبات إلى حد اليأس»، مشددا على عزمه «التزام وعدي المقطوع لهم بالعمل على وقف الانهيار الذي يتهدد اقتصادنا ومجتمعنا وأمننا وعلى إعادة اعمار ما دمره انفجار المرفأ الرهيب في بيروت وسأنكب بداية على تشكيل الحكومة بسرعة لان الوقت داهم والفرصة أمام بلدنا الحبيب هي الوحيدة والأخيرة».
وضمن مسار السرعة لا التسرع، حددت دوائر المجلس النيابي موعداً للاستشارات النيابية غير الملزمة للرئيس الحريري مع الكتل النيابية بدأت من الواحدة والربع بعد ظهر أمس فيما إكتفى الحريري بالتشاور فوراً هاتفيا مع رؤساء الحكومات السابقين بمن فيهم حسان دياب، «لدواع أمنية بدل الجولة التقليدية عليهم وتمنوا له التوفيق»، حسب بيان عن مكتب الحريري، لتبدأ مسيرة تاليف الحكومة التي لا تبدو مهمة سهلة بل قد تتحول إلى جولات من الملاكمة، إذ تعترضه عقبات كثيرة أهمها الخلافات والتباينات المتعدّدة مع الرئيس اللبناني عون والرئيس الظلّ باسيل، خصوصاً أنّ عون لم يمرر عملية التكليف المطالب بها دولياً إلا ليصعّب التأليف على الحريري، كمن يتربّص لخصمه مستدرجاً إياه إلى حلبته، فضلاً عن صعوبة تذليل الشروط التي يضعها الثنائي الشيعي وواجب «رد جميل» التكليف، إن لجهة تسمية الوزراء الشيعة أو لجهة التأكيد على عدم اتخاذ أي قرار يتعلق بالملفات الساخنة من دون الحصول على رضى «حزب الله»، بحسب صحيفة «نداء الوطن».
الاستشارات في مجلس النواب
وبدأ الحريري بعد ظهر أمساستشاراته مع الكتل النيابية منفتحاً على «سير ذاتية» تعرض عليه وتنطبق عليها مواصفات الاختصاصيين. وسيخوض، حسب مصادره لصحيفة «النهار»، معركة التأليف بثقة وواقعية، خصوصاً انه بعدما عقد اتفاقه مع الشيعة وجنبلاط بات مستعداً لاعطاء جائزة ترضية لرئيس الجمهورية، تتمثل بقبول تسميته المسيحيين مع حفظ حصة حليفه ومرشحه للرئاسة سليمان فرنجية. فهل يقبل عون وباسيل بهذا القدر الضئيل من النفوذ في التشكيل أم يخوضان آخر معارك العهد لإثبات الوجود والحجم والحفاظ على آمال التوريث؟
المعلومات المؤكدة عن استعدادات الرئيس الحريري لهذا الاستحقاق تفيد انه لم يضع الوقت منذ أعلن قبل أسبوعين في مقابلته التليفزيونية تنكبه لهذه المهمة وإطلاقه حركة المشاورات السياسية والنيابية الواسعة التي تولى بعضها بنفسه والبعض الاوسع الاخر بجولة وفد كتلة المستقبل على رؤساء الكتل والأحزاب الذين شاركوا في اجتماع قصر الصنوبر مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون. تبعا لذلك تشير المعلومات إلى امتلاك الرئيس الحريري العناوين الرئيسية والأساسية لمسودته الحكومية بما فيها من تصورات لاسماء وزراء مقترحين تنسجم مواصفاتهم مع حكومة الاختصاصيين التي ينوي تأليفها كما تنسجم هذه التصورات في المضمون الإصلاحي الجوهري مع الورقة الاقتصادية التي وزعها وفد المستقبل على القيادات التي قابلها وهي ترتكز إلى المبادرة الفرنسية. اما في ما يتصل بمسألة الوقت والزمن المقدر لتأليف الحكومة الجديدة، فيمكن القول ان أي تحديد استباقي سيكون امرا محفوفا بالتسرع وعدم الدقة لان الاختبار الكبير للتأليف لم ينطلق بعد، وسيكون انتظار المرحلة الأولى من «المفاوضات الشاقة» التي سيبدأها الرئيس المكلف فور انتهاء الاستشارات النيابية غير الملزمة.
ولاحظت مصادر مطلعة لصحيفة «اللواء» أن الرئيس الحريري بعدما نجح في فرض تسمية رئيس الحكومة المكلف من دون التنسيق والتشاور المسبق مع النائب جبران باسيل كما كان يحدث في حكومتي العهد الأولى والثانية وما أدى إليه هذا الخلاف الحاد من جفاء وانقطاع التواصل بينهما، ولدى لقاء الرؤساء الثلاثة لابلاغ الرئيس الحريري بنتائج الاستشارات النيابية الملزمة وعدد النواب الذين أيدوه، تدخل بري لتبريد الأجواء واقترح إعادة التواصل بين الحريري وباسيل لتسهيل وتسريع خطى تشكيل الحكومة الجديدة ومباشرة مهماتها لإنقاذ البلد، على أن يشكل لقاء الحريري بكتلة لبنان القوي برئاسة باسيل في المشاورات غير الملزمة التي يجريها الرئيس المكلف اليوم بالمجلس النيابي أول خطوة على الطريق، على أن يليها بعد ذلك لقاءات أخرى بين الطرفين في وقت لاحق، لإعادة العلاقات بينهما إلى طبيعتها.
وقد عبر بري لدى مغادرته بعبدا عن فحوى الوساطة التي قام بها بالإشارة إلى أن تشكيل الحكومة يسير بأسرع ما توقع البعض، ووصف الأجواء بين عون والحريري بالإيجابية في حين عبر رئيس الحكومة المكلف في وقت لاحق عن هذه الإيجابية، بالقول إنه اذا كانت مصلحة البلد تتطلب تفاهم الجميع، فمن المفيد تقديم هذه المصلحة على ما عداها، وفي هذا الكلام يعكس الحريري ما قاله بري عن الايجابية التي طبعت اللقاء الثلاثي ومدلولاته.
والحكومة التي يعتزم الرئيس الحريري تأليفها وهي الرابعة منذ 2009، سبقتها مشاورات واتصالات، لبنانية ودولية، لا سيما فرنسية وبريطانية، بهدف انتزاع تأييد فعلي لبرنامج الحكومة التي ستؤلف لوقف الانهيار الاقتصادية والنقدي، والمالي، والذي اصاب كل اوجه الحياة في هذا البلد.
ولاحظت مصادر سياسية مطلعة ان الطبقة السياسية أمام الاختبار الأخير، بعد الفرصة التي منحت لها، لاختبار قدرتها على وقف انهيار البلد، الذي سببت سياساتها ونزاعاتها، وضعه على سكة الازمات القاتلة، إلى الدرجة التي يعيشها اللبنانيين.
وأشارت المصادر إلى التغريدة ذات الدلالة، وهي أول موقف دولي من التكليف، التي اعتبر فيها المنسق الخاص للأمم المتحدة يان كوبيش، أنه لا يمكن الاستمرار بتسييرالأمور أو إنقاذ البلد بدون حكومة فعالة، وداعمة للإصلاح.
وخاطب المسؤولين: لا تنتظروا المعجزات من الخارج (في إشارة إلى الانتخابات الأميركية) والدول المانحة، فالإنقاذ يجب أن يبدأ في لبنان.
copy short url   نسخ
24/10/2020
430