+ A
A -
مروان قبلان كاتب سوري
عندما يشدّد علماء السياسة وممارسوها على أهمية احتكار الدولة مشروعية استخدام القوة، فإن لهذا الأمر مبرّراته. في هذا المجال تحديدًا، لا يوجد رأي، ولا يسمح بديمقراطية، ولا تُقبل أي تعدّدية، لأن في ذلك سقوطا للدولة وانهيارا للنظام العام. والواقع أن نشأة الدولة الحديثة نفسها، في جانبها المؤسّسي، ترتبط بفكرة تخلي الناس عن بعض حرياتهم، غير المقيدة في حالة الطبيعة، مقابل قيام كيان اسمه الدولة ينظّم الفوضى (فوضى استخدام القوة)، ويحقق الأمن والنظام في المجتمع، ويكون على مسافةٍ متساويةٍ من جميع المواطنين. وإذا عجزت الدولة عن تحقيق وظيفتها الأساسية التي يرتبط وجودها بها، تتحول إلى دولة فاشلة، فيلوذ الناس بغيرها (سواء داخل حدودها أو خارجها) طلبا للأمن والحماية، وهو ما نشهد وقوعه هذه الأيام في العراق، حيث باتت الدولة مهدّدة فعليا بالسقوط، بتحوّلها إلى هياكل صورية عاجزة عن فرض إرادتها، وضبط المليشيات التي يبدو أنها تنفلت من عقالها. فلم تعد الدولة قادرةً على حماية البعثات الدبلوماسية التي تعد ضيفةً على أراضيها، ولا هي قادرة على حماية حياة مواطنيها من مجازر بشعة، كالتي وقعت قبل أيام في محافظة صلاح الدين.
أخذ العراق، منذ انتفاضة محافظات الجنوب على حكومة عادل عبد المهدي في أكتوبر 2019، يتجاوز انقساماته الطائفية التي فتكت به، منذ الغزو الأميركي وحتى سقوط تنظيم الدولة الإسلامية (2003 - 2018)، ولم يعد النقاش بشأن من يحكم العراق، السنة أم الشيعة، وإنما في أن يكون هناك دولة أو لا دولة.
لا نريد القول إن الكاظمي بدّد فرصة ذهبية في استعادة سلطة الدولة العراقية، لكن التردّد والضعف الذي أبداه في مواجهة تجرؤ المليشيات على سلطته، قوّض، إلى حد بعيد، من هيبة الدولة التي يمثلها.
لا ينكر المرء التحدّيات الكبرى التي يواجهها الكاظمي في محاولته تفكيك شبكة مصالح كبرى نشأت بعد الغزو الأميركي للعراق، وعدم استناده إلى كتلةٍ سياسيةٍ في البرلمان، وصعوبة الركون إلى شخصيات قيادية متقلبة بتقلب الريح الإقليمية، وحجم الغنائم السياسية.
copy short url   نسخ
23/10/2020
212