+ A
A -
نور الدين العلوي كاتب تونسي
يعرض على البرلمان التونسي مشروع قانون مقترح من قبل كتلة ائتلاف الكرامة، يتعلق بتعديل المنشور المنظم للإعلام عامة وللقطاع السمعي البصري خاصة، ويتضمن نقطة مهمة تثير جدلا كبيرا وتعيد الصراع السياسي إلى نقطة بداية بين حماة الحرية وحماة الاستبداد. وقد انكشفت المواقف والحجج وظهر اليسار الوظيفي ومن يزعم التقدمية في مقدمة رافضي التعديل، بما وضعهم جميعهم في صف الفاشية التجمعية. لقد فتحت معركة من معارك الحرية، فتواصل الفرز على قاعدة الاستثمار في الحرية في مقابل تكريس الاستبداد.
الجهة التي وضعت القانون الانتخابي القائم على منع الجميع من الحكم (لجنة بن عاشور) هي نفس الجهة التي وضعت المنشور 116 المنظم لقطاع السمعي البصري، فحدّت من حرية إنشاء المؤسسات الإعلامية، وجعلته تحت هيئة رقابية ذات صلاحيات واسعة، بحيث يمكنها إغلاق المنافذ إلى الحرية إذا رغبت، وقد فعلت بلا تردد، فمنعت إنشاء مؤسسات كثيرة عجز أصحابها عن الحصول على وضع قانوني يسمح لهم بالعمل.
لقد تم تكليف أعضاء الهيئة رسميا من قبل الرئيس المرزوقي وفريقه الرئاسي دون انتخاب؛ لأن الظروف حينها لم تكن سمحت بالانتخاب. وككل الهيئات الرقابية في بداية الثورة، لم يمكن لأنصار الثورة التفطن لنوعية المكلفين بحكم جهلهم بالأشخاص وبماضيهم السياسي زمن ابن علي (وهو أحد نقاط ضعف الثورة وأنصارها منذ البداية)، فظهرت هيئة تمارس الرقابة السياسية قبل الإعلامية وتسلطت على القطاع بخلفيات أيديولوجية استئصالية.
وكان الفصل المتعلق بالترخيص المسبق لإنشاء وسيلة إعلامية ناطقة ومرئية سيفا مسلطا على كل جهة مناصرة للثورة لتمارس العمل الإعلامي، لكننا شهدنا حصول قنوات على تراخيص حتى قبل أن تستأجر محلا للعمل، مثل قناة التاسعة والجنوبية، ولكن لم تحصل قناة الزيتونة على ترخيص بعد وظل وضعها غير قانوني ويتكبد الخطايا في كل خطوة. وكانت كل مؤسسة يشتم منها القرب أو التعاطف مع الإسلاميين أو تظهر الانتماء إلى الثورة والتغيير تتعرض للمنع، بينما يمد لكل وسيلة معادية للثورة والتغيير.
فوق ذلك، تجاوزت الهيئة المكلفة أجلها القانوني بسنوات، وظلت تتمتع بالامتيازات وتمارس دورها الرقابي/ السياسي خارج القانون، ولم تتعرض لأية مساءلة قضائية، وهو تقصير كبير يكشف غفلة وهوانا من أنصار التغيير. ولكن مشروع التعديل المقترح جاء ليضع حدا لذلك.
خطاب الاعتراض على تعديل القانون ارتكز على محورين هامين؛ أولهما شيطنة الجهة التي اقترحته (ائتلاف الكرامة) ووصفها بالدواعش، وثانيها الزعم بأن فتح سوق السمع البصري سيفتح بابا للفساد ليدخل حقل الإعلام ويفسد عقول التونسيين. وفي كلا الحجتين ضعف وسوء نية، ولذلك لم تقم الحجتان ولا تقنعا إلا الرافضين مسبقا للحرية والمستفيدين من الاستبداد؛ الذين تظاهروا أمام المجلس النيابي يوم 20 أكتوبر. وللغرابة، وجدنا فيهم كل وجوه اليسار الاستئصالي وكل مكونات الحزب الفاشي كتفا لكتف.
ائتلاف النهضة وقلب تونس زائد ائتلاف الكرامة وبعض النواب المستقلين؛ قلب المشهد السياسي، وهو يقود البلد الآن بإسناد حكومة المشيشي رغم أنها ليست منه، ولكنه رغم ذلك يشكل خريطة ما يجري وما قد يحصل في السنوات القادمة. ويعتبر تمرير تعديل المنشور 116 محطة مهمة في تاريخ العمل المشترك، رغم الاختلافات الداخلية بين مكوناته. والذين يعترضون الآن يرون مصيرهم البائس إذا استمر الائتلاف في العمل؛ لأن نجاحه في هذا المسألة سيمهد بسرعة وربما قبل نهاية السنة لتمرير تعديل مهم في القانون الانتخابي يفرض عتبة انتخابية. والعتبة هي آخر مسمار سيدق في نعش الحزيبات التي كانت تعيش من نظام أكبر البقايا الانتخابي.
copy short url   نسخ
23/10/2020
312