+ A
A -
بيروت - الأناضول - أطفأت ثورة 17 أكتوبر شمعة عامها الأول أمس، حيثُ رسمَت تلك الليلة من العام المنصرم مشهدًا لم يعتد عليه لبنان، إذ خلع الشعب ثوب الطائفية والمناطقية والانتماءات الحزبية ونزل ليَثور على الطبقة السياسية الحاكمة في قلب العاصمة بيروت.
أدى ذلك إلى تراجع قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار في السوق السوداء، ما انعكس على أسعار المواد الاستهلاكية الأولية، وتآكل رواتب الموظفين بجميع القطاعات.
وأشعلت ضريبة مرتقبة تم الإعلان عنها في ليلة الخميس 17 أكتوبر عام 2019 احتجاجات شعبية عارمة، إذ امتلأت الشوارع من شمال البلاد إلى جنوبها، حتى البقاع شرقا.
وجرى خلال الاحتجاجات إغلاق الطرقات، وحمّل المحتجون الطبقة السياسية الحاكمة مسؤولية التدهور المعيشي في ظل أسوأ أزمة اقتصادية بتاريخ لبنان.
واستمرّت الاحتجاجات الشعبية لأشهر متواصلة، طالب المحتجون خلالها بانتخابات نيابية مبكرة، واستعادة الأموال المنهوبة، ومحاسبة الفاسدين، ورحيل ومحاسبة بقية مكونات الطبقة الحاكمة، التي يتهمونها بالفساد والافتقار للكفاءة.
وأرغمت الثــــــــورة في 29 أكتوبر الماضي سعد الحريري على تقديم استــقالة حكومته.
وطُرحت علامات استفهام عدّة عن ما حققته الثورة في عامها الأوّل بالرغم من بقاء السلطة السياسيّة في الحكم منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990)، وانفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس، وسط مساعٍ لعودة الحريري إلى رئاسة الحكومة بعد استقالة حسان دياب، واعتكاف مصطفى أديب.
وفي 31 أغسطس، أعلن الرئيس اللبناني ميشال عون تكليف مصطفى أديب تشكيل حكومة، تخلف سابقتها برئاسة حسان دياب، التي استقالت، بعد ستة أيام من انفجار كارثي في مرفأ العاصمة بيروت.
واعتذر رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب، في 26 سبتمبر، عن عدم إكمال مهمته التي كلفه بها عون.
وتزامن تكليف أديب، نهاية أغسطس، مع زيارة تفقدية لبيروت أجراها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ما دفع أطرافا لبنانية إلى اتهامه بالتدخل في شؤون بلادهم الداخلية، وخاصة تشكيل الحكومة، في محاولة للحفاظ على نفوذ باريس في لبنان، البلد الذي احتلته بين 1920 و1943.
والأربعاء، قرر عون تأجيل الاستشارات النيابية لتسمية رئيس الحكومة الجديد أسبوعا «لبروز بعض الصعوبات».
كشف مكامن الفساد
تمكنت الثورة اللبنانية من تحقيق محطات لا يستهان بها، بالرغم من اجتيازها حقول ألغام في بلدٍ يعاني أزمة اقتصادية واستقطابا سياسيا حادا، في مشهد تتصارع فيه مصالح دول إقليمية وغربية، بحسب آراء كتاب وناشطين مدنيين.
ويقول الكاتب والصحفي طوني بولس للأناضول إن «ثورة 17 تشرين (أكتوبر) كان لها دور بارز في كشف ملفات استنزاف الدولة اللبنانية من خلال كشفها ملفات فساد عدّة في مرافق الدولة».
ويضيف: «هذه الثورة أو الانتفاضة جعلت الرأي العام يعي أكثر مكامن الهدر والفساد، وأين تذهب أموال المواطن، ومن أوصل البلاد إلى هذه الأزمة الاقتصادية الكبيرة».
ويرى بولس أن «الثورة كشفت مدى خطورة سلاح حزب الله، وكيف يكون عائقًا أمام تطور الشعب اللبناني وانفتاحه على الخارج، لأنّ السلاح كان للمقاومة لكنّ في الوقت الراهن بات يشكّل توترات».
وحول النقاط التي أخفقت بها الثورة، يقول إنها «عجزت عن خلق تغييرات كبيرة نتيجة تجذّر هذه السلطة وحماية مصالحها».
ويشير بولس إلى أن «عدم رضوخ السلطة للشعب المنتفض أدّت إلى تدخل الدول الكبيرة (في إشارة إلى فرنسا) ممّا جعل القضية اللبنانية مدوّلة»، لافتًا إلى أن «الثورة باتت في الفترة الماضية تفتقر إلى الجماهير على اعتبار أنّ الشعب اللبناني يئس، ويشعر بارتباك بعد أنّ أدخلت السلطة المندسّين في صفوف الثورة لحرف مسارها».
ويؤكد أن «الثورة اليوم تسعى لإعادة ترتيب نفسها بعناوين جديدة وتنظيم نفسها ابتداءً من الذكرى الأولى، والمجموعات الثورية تتواصل بين بعضها للاتفاق على عناوين اقتصادية واجتماعية».
كسر الخوف
أما على خطّ الثوار، فيعتبر الناشط جمال ترو أن «الثورة استطاعت كسر الخوف عند المواطن، بالرغم من الظروف الاقتصاديّة والاجتماعيّة الحاصلة».
ولم ينكر ترو في حديثه للأناضول أن «الثورة أخفقت بأمر واحد فقط، وهو أنّها لم تدخل إلى منازل السياسيين لفضحهم وكشف ثرواتهم»، معتبرًا أنّ «السياسيين في لبنان هم عبارة عن مجموعات متعدّدة لذلك شعر الثوار بالاستنزاف».
الثورة لم تخمد
بدوره، يشير جاد لزّاق من «مجموعة لحقي» (مدنية) في حديثة للأناضول أن «الناس اعتبرت أنّ على الثورة التحرّك، وتقديم بديل جدّي، لكنّ العمل لم ينتهِ بعد وهناك اجتماعات مستمرّة لغاية اليوم بين جميع قوى الثورة لإنتاج بديل عن الطبقة الحاكمة». وحول اختفاء مظاهر الثورة يقول لزاق إن«المظاهر التي تمثلت بالتحركات في الشارع، وإقفال الطرقات صحيح أنها لم تعد موجودة بسبب فيروس كورونا، وسوء الأوضاع المعيشيّة في ظل سعي الناس لتأمين لقمة عيشها بشكل أساسي، إلا أن الثورة لم تخمد».
عدم توحيد الكلمة
أما الناشط والمحامي لؤي غندور، فيرى أن «الطبقة السياسية الحاكمة لم تكن تتوقع أن الشعب سيستفيق بعد أكثر من 40 عامًا، ولا سيما أنها سرقت أموال المواطن ومدخراته ولم تقدّم في المقابل أي خدمة».
ويشدّد غندور في حديثه للأناضول على أن «الثورة نجحت في تعرية السلطة وفضحها، حتى باتت القوى السياسية تتبادل التهم في الفساد وتفضح بعضها البعض».
ويضيف: «الثورة جعلت من الحكام والسياسيين يخافون من التجوّل في الأماكن العامة لأنهم سيُلاحقون من الثوار ويطردون».
وبرأي غندور، فإن الثورة «لم تنجح فقط في توحيد كلمتها»، نافيًا أن «تكون قد توقفت». ويقول: «الثورة مستمرّة طبعًا لأنّه لا تقودها أي جهة، إنّما هي حركة شعبيّة عفويّة».
ويعرب غندور عن الأسف «للوضع الذي وصل إليه لبنان، ولاسيما آخرها تفجير مرفأ بيروت، وما نتج عنه من تداعيات وسط تغلغل الطبقة الحاكمة في مفاصل الدولة من القضاء إلى الأمن».
وأسفر انفجار الرابع من أغسطس في ميناء بيروت عن مقتل نحو 200 شخص وإصابة نحو 6500 وإلحاق أضرار بمليارات الدولارات.
وانفجر ما يقرب من 3000 طن من نترات الأمونيوم، وهي مادة كيمياوية شديدة الانفجار، في ميناء بيروت حيث تم تخزينها في المنشأة لنحو ست سنوات.
عجز السلطة
ويلخص الكاتب والمحلل السياسي علي الأمين الصورة بأن «الثورة كشفت الطبقة الحاكمة، وأظهرت على المدى البعيد عجزها (أي السلطة) عن حلّ المشكلات، وبالتالي بات الرأي العالم بمجمله لا يثق بالسياسيين».
ويضيف الأمين للأناضول: «كان لافتا أيضًا حضور العنصر الشبابي والنسوي في الثورة، ومستوى التلاحم الذي حصل بين مناطق مختلفة، وتفاعل بين مجموعات متعدّدة من الشمال إلى الجنوب».
وحول السلبيّات التي يُمكن الإشارة إليها فيما يتعلق بالثورة اللبنانية، يقول الأمين: «الانتفاضة لم تستطع أن تبلور إطارًا قياديًّا، أو على الأقلّ نوع من القيادة التي يمكن أن تُعبّر عنها، وتطرح نفسها بشكل واضح ومنظم في مواجهة مشاريع السلطة وعجزها».
لكن الأمين يجزم في نهاية حديثه بأنّ «التغيير آت، والظروف التي يمرّ بها لبنان لن تبقى على حالها».
copy short url   نسخ
18/10/2020
1789