+ A
A -
سهــام جاسـم
كانت كلمات الطرف الأول واضحة ومحددة ومتداولة عبر الزمن، لم تكن تحمل شيئاً من غريب اللفظ المنقرض إطلاقاً..
إلا أنّ الطرف الآخر لم يستوعب شيئاً مما قيل له على الرغم من أنّه لا يشكو من علةٍ ما أو شُح في موارد الفهم والفطنة... مهلاً، ما الأمر إذن..؟
لقد أخذ الطرف الآخر نص الحوار إلى عقله وتحديداً إلى غرفة العقل خاصته، وهذه الغرفة على ما يبدو كانت موصدة الأبواب عندما خاضا في ذاك الحوار بدليل أنّه لم يقدم أيّاً من استفهاماته المشروعة ولم يطلب إيضاحاً لغامضٍ ما لديه، إذن كانت الأمورُ كلّها جليةً وواضحة..!
بعد مدةٍ ليست بطويلة الأمد، لاحظ الطرف الأول تغيراً ملحوظاً لدى الطرف الآخر لقد تبدلت الوجوه وتغيّرت المواقف إيذاناً بإعادة تصنيفه بشرياً تبعاً لذلك ليندرج تحت مسمىً جديد لدى ذاك الآخر، لقد غدا بالنسبة له بعيداً، غريباً، غامضاً على نحوٍ مريب..
راجع الطرف الأول تفاصيل الحوار الأخير الذي دارَ بينهما باحثاً عن كلمةٍ تستحمل التأويل أو التفسير على نحوٍ مسيء فلم يجد، كلّ ما وجده هو أنّ الطرف الآخر قد فعلها مجدداً هو وعقله عندما اجتمعا معاً في تلك الغرفة المغلقة المعزولة واتخذا قراراً وموقفاً سقيماً كهذا بمنأى عنه وعن كلّ فضائله التي بسطها أمامهما يوماً ما، أيّ علة تلك التي يشكوها مثل هؤلاء يا ترى..؟
مثل هؤلاء يجعلونك تفكر ما الذي يحدث لكلماتنا وحواراتنا الجادة وحتى أحاديثنا العابرة عندما تعدو على بعض أصحاب مثل تلك العقول؟ كيف يتلقونها بل كيف يتعاملون معها..؟
ما الذي يُغيرها في غرفة العقل التي قد توصد فجأة لدى أحدهم كردة فعلٍ كافةٍ ومكفوفةٍ عن الفهم والاستيعاب لما يُدلي به الآخر ؟
ولماذا يتعثر المعنى بأسىً وهو ماضٍ في دربه إليهم ولا يصلهم كما أُرسل..؟
بل لماذا تتبلور الكلمات وتجد معاجمهم قد أدرجت معانٍ ومضامين أخرى لم تكن مدرجة ضمن مقصد القول أو الحديث..؟
إنّ اللغة التي تتحدث بها حتى وهي جلية صريحة ستجد من يتهمها بالمآرب الأخرى، لتجد أنّ الفكرة والكلمة حين تعدو عليهم ترتد إليك مرةً أخرى وهي محبطة جداً لأنّها لم تجد مجالاً لتأدية دورها الذي قدمت لأجله، بل لم تجد درباً معبداً يمتدُّ إليهم ليستقبل خطواتها برحابة، لقد كان باب غرفة العقل لديهم موصداً بإحكامٍ وقوةٍ وإصرارٍ غير مسبوقين..
إنّ معرفة الإنسان بجهله وضحالة علمه في أمرٍ ما وفي شأنٍ ما وفي شخصٍ ما وتحديده لتلك الأمور يحمل دليلاً طيباً واتصالاً ذهنياً واجتماعياً دقيقاً مع الواقع من حوله وحظه من كلّ ذلك مما يمكنه من اتخاذ خطوات صحيحة لاكتساب المعرفة وتبديد الجهل، أمّا عدم المعرفة بل وإنكار وجود القصور المعرفي والجهل بكلّ ما سبق من أمور فهو أمرٌ فادح ومن العسير التعامل معه..!
كلمــــة أخيـــرة
أتركها للأديب الألماني يوهان غوته يقول:
الأفكار العظيمة والقلب الطاهر، ذلك ما ينبغي أن نطلبه من الله.
copy short url   نسخ
28/09/2020
2009