+ A
A -
خطط إسرائيل لأخذ دور قناة السويس في التجارة العالمية، لم تعد سراً، منذ توقيعها اتفاق العلاقات مع الإمارات
فالشرق الأوسط يشهد تغييرات اقتصادية وسياسية دراماتيكية منذ أن وقَّعَت مصر وإسرائيل واليونان وقبرص وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية على ميثاق منتدى غاز شرق المتوسط في في حفلٍ افتراضي استضافته القاهرة يوم الثلاثاء الماضي 22 سبتمبر.
يعني التنقيب عن الغاز الطبيعي، والاحتياطات الهائلة الموجودة في شرق البحر المتوسط، على مدار السنوات العديدة الماضية، أن ما بدأ باعتباره منتدىً غير رسمي لمصر وقبرص وإسرائيل واليونان أصبح الآن منظمةً حكومية دولية رسمية مقرها القاهرة. حسبما ورد في تقرير لصحيفة Jerusalem Post الإسرائيلية.
ويسعى هذا التكتل إلى تعزيز صادرات الغاز في وقتٍ أقامت فيه إسرائيل علاقاتٍ جديدة مع دولٍ عربية. وتريد فرنسا الانضمام، وقد طَلَبَت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي صفة مراقب في المنتدى.
وبالنسبة لإسرائيل، فإن المنتدى، بحسب وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز، «يجلب تعاوناً إقليمياً مع الدول العربية والأوروبية، هو الأول من نوعه، بعقودٍ لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى الأردن ومصر بقيمة 30 مليار دولار، وهذه ليست إلا البداية».
وقال طارق عوَّاد، خبير الطاقة الدولي المقيم في إسرائيل، لوكالة أنباء The Media Line الأميركية، إن «المستقبل يكمن في الغاز»، بينما تتضاءل احتياطات النفط.
وقال: «تضع مصر نفسها باعتبارها مصدراً للغاز والكهرباء. وقد أبرمت اتفاقاتٍ مع بلدانٍ مجاورة، مثل الأردن، لتلبية احتياجات عمان من الكهرباء، ودولٍ أخرى».
ووقَّعَت شركة Dolphinus Holdings المصرية اتفاقاً في العام 2018 لشراء ما يبلغ قيمته 15 مليار دولار من الغاز الإسرائيلي على دفعتين تمتدان معاً إلى 10 سنوات. ويوجد في مصر مصنعان للغاز الطبيعي المُسال مُعطَّلان أو يعملان بقدرةٍ أقل من طاقتهما ومُتاحان للتصدير.
خطط إسرائيل
لأخذ دور قناة السويس
ولكن العلاقات الإماراتية- الإسرائيلية من شأنها الإضرار بمصر ليس كمركز تكتل الغاز بل من ناحية أخرى، حتى لو ركزت التقارير الإماراتية والإسرائيلية على أن الهدف هو تهميش إيران.
توقيع الإمارات والبحرين اتفاقات للعلاقات مع إسرائيل الشهر الماضي، أغسطس، تسبَّبَ في صدمةٍ في الساحة السياسية في الشرق الأوسط. ومن المؤكَّد أن تكون للاتفاقات تداعياتٌ كبيرة على اقتصادات المنطقة وقطاعاتها المالية.
ولكن العلاقات قد تغير الجغرافيا التجارية والسياسية السائدة في المنطقة منذ افتتاح قناة السويس في النصف الثاني من القرن العشرين، وهذا ما يمكن ملاحظته من الخطط الإسرائيلية التي أفصح عنها تقرير صحيفة Jerusalem Post الإسرائيلية.
ومنذ اللحظة التي أُعلنَ فيها الاتفاق الإماراتي- الإسرائيلي، هَرَعَ قادة الأعمال من هذين البلدين لعقد صفقاتٍ كبرى. وقال الدكتور أليكس كومان، خبير خلق القيمة بكلية أديلسون لريادة الأعمال بمركز هرتسليا الإسرائيلي مُتعدِّد التخصُّصات، لوكالة The Media Line، إن التعاون في القطاع المصرفي والتكنولوجيا والزراعة يبشِّر بخيرٍ كبير.
وأضاف: «هناك فرصٌ كبرى للتعاون؛ حيث يأتي المال من دول الخليج الغنية والخبرة والتقنية من إسرائيل».
ويتحدَّث الاتفاق الإماراتي- الإسرائيلي عن «تعزيز تعاون الطاقة بين البلدين»، ويقول كومان إن مثل هذا التعاون قد يتضمَّن العديد من القطاعات ويجلب فرص أعمالٍ.
وذَكَرَ قائلاً: «أصبحت التكنولوجيا الفائقة أمراً بالغ الأهمية في استبدال طاقة الوقود الأحفوري. وأنا أعلم أن العديد من الدول في الخليج تريد تنويع أرباحها أوسع من الوقود الأحفوري، وترغب في الاستثمار في المستقبل. لذا فإنهم يريدون أن يكونوا أكثر انخراطاً في هذه القطاعات، وإسرائيل تبلي حسناً في هذا المجال».
مسارات تصدير النفط ستتغير
ويقول عوَّاد إن المنطقة تتغيَّر سريعاً، ويضيف: «ما يحدث الآن هو رسم خريطة جديدة لكلِّ شيءٍ مُتعلِّقٍ بالطاقة في الشرق الأوسط».
وأضاف أيضاً أن المسارات التقليدية للطاقة المُنتَجة في الخليج قد تتغيَّر في أعقاب إقامة علاقاتٍ دبلوماسية بين الإمارات وإسرائيل.
وقال عوَّاد: «يمر نفط الخليج عبر مضيق هرمز، وباب المندب، وقناة السويس. وهذا الاتفاق الإماراتي- الإسرائيلي سوف يُغيِّر المسار ليمر عبر خطوط الأنابيب التي تقطع شبه الجزيرة العربية وصولاً إلى إسرائيل».
لكن النموذج الجديد ليس محصوراً فقط في الطاقة. إذ يمكن للبضائع من الولايات المتحدة وأوروبا، التي تصل الخليج الآن عبر قناة السويس، أن تعبر من خلال جسرٍ بري عبر إسرائيل ثم الأردن، التي ستستفيد بشكلٍ كبير من دورها الجديد كمركزٍ إقليميٍّ للتجارة.
وتترقَّب كلٌّ من الإمارات وإسرائيل المنافع المالية من السلام. وتدرك الإمارات، الغنية بمصادر الطاقة، أنه في يومٍ ما سوف يجف مصدر العائدات لديها، وهي الآن تتطلَّع إلى تنويع اقتصادها. وتريد ضخَّ ثروتها الهائلة في استثماراتٍ في القطاعات العديدة التي تتمتَّع فيها إسرائيل بالخبرة.
ويتوقَّع كومان انضمام المزيد من الأطراف الإقليمية إلى هذا المضمار.
وتوقَّعَ قائلاً: «سوف تشترك دولٌ عربية، ربما المملكة السعودية والعراق في مرحلةٍ أخرى، في خط الأنابيب هذا الذي سوف يصدِّر النفط العربي والنفط الخليجي عبر الخليج إلى الأردن وإسرائيل وأوروبا».
تشغيل شركة موانئ دبي لمرفأ حيفا ليس صدفة
وقَّعَت شركة موانئ دبي العالمية، إحدى أكبر شركات الخدمات اللوجيستية البحرية على مستوى العالم، مذكرة تفاهم مع شركة دوفر تاور الإسرائيلية لتقديم عرض مشترك لتشغيل ميناء حيفا. ويقول عوَّاد إنه في حالة الموافقة على العطاء، فإنه سيغيِّر طريقة نقل الطاقة والبضائع.
وقال: «من غير المصادفة أن تتفق موانئ دبي مع الشركة الإسرائيلية على إدارة ميناء حيفا. هذا مشروعٌ إستراتيجي عملاق».
ولا يزال العطاء في مرحلة المناقشة. وهو مدفوعٌ جزئياً بالسياسة، ويضغط من أجله قادة أعمالٍ يتطلَّعون إلى إحياء خطوط الأنابيب والسكك الحديدية القديمة.
وقد تُحدِث هذه المشروعات ثورةً في طريقة نقل النفط والغاز، وربط إسرائيل والمنطقة في شبكةٍ لنقل البضائع والطاقة والأشخاص.
ويتوقَّع قادة الأعمال هؤلاء سوقاً تُهمِّش إيران وتُضعِف سيطرتها على الممرات الملاحية الحيوية في الخليج، في تجاوزٍ لباب المندب ومضيق هرمز، الذي هدَّدَت طهران مراراً بإغلاقه. وستجعل هذه السوق واردات الجمهورية الإسلامية من النفط أعلى تكلفةً مقارنةً بواردات جيرانها الخليجيين.
ومن الناحية السياسية، ستدعم هذه الخطة ما يسمى بمحور الدول المعتدلة في المنطقة.
البديل للنفط خط إيلات أشدود
وأكَّد عوَّاد أن «النفط الخليجي كان يمر عبر قناة السويس ورأس الرجاء الصالح، فيما سيُغيِّر هذا الاتفاق المسار ويُحوِّله إلى إلى خط إيلات-أشدود». وقال إن هذا بدوره سيخلق تحالفاتٍ جديدة مثل «المحور المصري الإسرائيلي، حيث سيعتمد الخليج عليها لنقل الطاقة إلى أوروبا».
وتحظى تكتلات الطاقة المُشكَّلة حديثاً بدعمٍ أوروبي وأميركي. وتجري الجهود أيضاً لإحياء السكك الحديدية العثمانية.
وفي عام 2016، أعادت إسرائيل فتح مثل هذا المسار التاريخي. وسيصل خط السكة الحديد إلى الأردن في الشمال عند معبر نهر الأردن/‏جسر الشيخ حسين والسلطة الفلسطينية عند حاجز الجلمة بالقرب من جنين في شمال الضفة الغربية.
وسيصبح الأردن بوابة الخليج الجديدة للبضائع القادمة من الغرب، مع إنشاء منطقة تجارة حرَّة كمحور ونقطة أولى لتوزيع البضائع. وسيغدو أيضاً نقطة الوصل لنقل الطاقة عبر أراضيه إلى الموانئ الإسرائيلية وإلى الغرب.
وسيربط خط السكك الحديدية الجديد الأردن بشمال وجنوب المملكة السعودية. والخطة في نهاية المطاف تتمثَّل في اجتذاب المملكة السعودية والعراق.
السعودية
على طريق التطبيع
ولا توجد علاقاتٌ دبلوماسيةٌ للرياض علناً مع إسرائيل، مِمَّا يجعل من شبه المستحيل عليها المشاركة في أيٍّ من هذه المشاريع. سُجِّل قول الملك سلمان أنه لن يكون هناك علاقات مع إسرائيل حتى يتم التوصُّل إلى حلٍّ نهائي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
لكن ذلك لا يعني أن المملكة ليست حريصةً على اتِّباع خطى جيرانها الخليجيين في إقامة علاقاتٍ دبلوماسية مع إسرائيل.
وأخبَرَ مصدرٌ في الرياض، طَلَبَ الإبقاء على هويته سرية، وكالة The Media Line، أن هناك صداماً بين الحرس القديم والجديد وأن «الأمر فقط مسألة وقت قبل أن تتم العلاقات فعلياً».
وقال المصدر إن رؤية 2030 لمحمد بن سلمان لتقليص اعتماد المملكة على النفط وتنويع اقتصادها وتطوير قطاعات الخدمات تضع إسرائيل في اعتبارها.
وأضاف: «يدرك بن سلمان أنه بحاجةٍ إلى المُضي قُدُماً بخطته التي يعمل فيها على تنويع الاقتصاد، وهو يتنافس إقليمياً على نصيبٍ من السوق».
copy short url   نسخ
28/09/2020
820