+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
التّناصر مصدر قولهم: تناصر القوم إذا نصر بعضهم بعضا وهو مأخوذ من مادّة (ن ص ر) الّتي تدلّ على إتيان خير أو إيتائه. والنّصير: النّاصر وجمعه أنصار مثل شريف وأشراف وجمع النّاصر نصر مثل صاحب وصحب، ويقال: استنصره على عدوّه، سأله أن ينصره عليه، وتناصروا نصر بعضهم بعضا، وانتصر منه واستنصر بمعنى، وقيل: انتصر منه انتقم، وقال الرّاغب: النّصر والنّصرة العون، كما في قوله تعالى: (نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ)، وقوله عزّ وجلّ: (وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ)، ونصرة الله للعبد ظاهرة (أي إعانته له) أمّا نصرة العبد لله فهي نصرته لعباده، والقيام بحفظ حدوده، ورعاية عهوده، واعتناق أحكامه، واجتناب نهيه، وذلك كما في قوله تعالى: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ) وقوله عزّ وجلّ:( إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ) والانتصار والاستنصار: طلب النّصرة كما في قوله عزّ من قائل: (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) وقوله سبحانه: (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ).
يقول ابن منظور: النّصر إعانة المظلوم، يقال: نصره على عدوّه ينصره نصرا، وفي الحديث (انْصُرْ أخاكَ ظالِمًا أوْ مَظْلُومًا فقالَ رَجُلٌ: يا رَسولَ اللَّهِ، أنْصُرُهُ إذا كانَ مَظْلُومًا، أفَرَأَيْتَ إذا كانَ ظالِمًا كيفَ أنْصُرُهُ؟ قالَ: تَحْجُزُهُ، أوْ تَمْنَعُهُ، مِنَ الظُّلْمِ فإنَّ ذلكَ نَصْرُهُ)، وتفسيره أن يمنعه من الظّلم إن وجده ظالما، وإن كان مظلوما أعانه على ظالمه، وتناصر المسلمين أن يقدّم كلّ منهم العون لأخيه ليدفع عنه الظّلم إن كان مظلوما ويردّه عن ظلمه إن كان ظالما.
والأنصار: أنصار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم غلبت عليهم الصّفة، فجرى مجرى الأسماء وصار كأنّه اسم الحيّ ولذلك أضيف إليه بلفظ الجمع فقيل: أنصاريّ، وقالوا: رجل نصر، وقوم نصر، فوصفوا بالمصدر كرجل عدل وقوم عدل، وقوله عزّ وجلّ: (مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) معناه: من ظنّ من الكفّار أنّ الله لا يظهر محمّدا صلّى الله عليه وسلّم على من خالفه فليختنق غيظا حتّى يموت كمدا، فإنّ الله عزّ وجلّ يظهره ولا ينفعه غيظه وموته خنقا، فالهاء في قوله (أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ) للنّبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم.
ويكون الانتصار من الظّالم الانتصاف والانتقام، وانتصر منه: انتقم، قال تعالى مخبرا عن نوح (فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ* فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ) كأنّه قال لربّه انتقم منهم، كما قال: (وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) وإنّما قال فانتصر ولم يقل انصر تنبيها على أنّ ما يلحقني يلحقك من حيث إنّي جئتهم بأمرك فإن نصرتني فقد انتصرت لنفسك.
لذا يقول صلى الله عليه وسلّم: (اتَّقوا دعوةَ المظلومِ، وإن كان كافرًا، فإنه ليس دونها حجابٌ).
اللهم عليك بالظالمين فإنهم لا يعجزونك، حسبنا الله ونعم الوكيل، اللهم يا مجيب الدعاء، أسألك بعزّتك وبقوتك، أن ترينا في الظالمين عجائب قدرتك.
أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
copy short url   نسخ
27/09/2020
2017