+ A
A -
منى بابتي كاتبة لبنانية
كنت قد اعتدت بعد انفجار مرفأ بيروت، أن أتابع معظم البرامج التي تتناول الموضوع اللبناني، فجلست أمسية الخميس أمام التلفاز، أتابع برنامجًا يتحدث عن الوضع اللبناني، ولكنني في تلك الأمسية لم أتوقف عن البكاء، فكل ما جرى في لبنان يثبت أننا فقدنا المصداقية، ولكن الحادثة التي رواها إبراهيم «أبو سفيان» تخطت كل الخطوط الحمراء، وأثبتت أننا كبشر فقدنا الإنسانية.
رجل لبناني في العقد العشريني، يحمل طفله ابن السنتين والثلاثة أشهر مع زوجته الحامل ليركب أحد قوارب الموت هربا من الجوع والذل، وكالعادة لم يتوان قراصنة الاتجار بالبشر عن سرقة ما بحوزة تلك العائلات ورميهم في البحر يواجهون الموت، لكن القصة المريرة لم تنتهي هنا، فلقد اختار الموت أن يلقي بظلاله على جفون طفله الصغير في ذلك القارب، حاول إبراهيم ضم سفيان إلى صدره ليومين متأملاً أن ذلك الطفل سيعود إلى الحياة، ولكن سفيان أغمض عينيه وقرر الهرب إلى السماء، وقف ابراهيم، قبل جبينه، اعتصر جسده البارد إلى قلبه، ثم ودعه وألقى ابنه بيديه في البحر، ساعات وابراهيم متسمر في مكانه، يراقب جسد ابنه وهي تتهادى مع الأمواج، ينتفض كلما ترتفع جثة ابنه، ويحترق كلما تنهش سمكة جزءا من جسد حبييه الصغير....
في تلك اللحظة، ما بين دموع الوالد وقسوة الموقف، توقفت أنفاسي، وتساءلت:«أب يرمي بفلذة كبده في البحر..من السبب ولماذا... أين ضاعت منا إنسانيتنا ؟ّ.....
وهنا تذكرت شابًا فيليبنيًا ابن 12 ربيعًا، التقيت به في إحدى مشاركاتي التطوعية في دولة عربية في زيارة لمركزمرضى السرطان، تقدّم مني بعد المحاضرة، وسألني: هل بإمكانك أن تضميني قليلًا، انا خائف.
اقتربت منه، وضممته إلى صدري فشعرت ببرودة غريبة في أطرافه، نظرت إلى وجهه، فوجدته يبكي، لم أمسح دموعه بيدي، ولم أجبر عيوني عن التوقف عن الدموع، واكتفيت بالجلوس قرابة الأربع ساعات في غرفته، وهو يجلس في سريره، ينصت لجميع حروفي، يراقب كل تحركاتي، وبعدما تأكدت من خلوده للنوم، غادرت الغرفة عائدة إلى فندقي.
ومرت ثمانية أيام، لأفاجأ بطبيب يهاتفني قائلا: أحمل لك أمانة، قابلته لأجده يحمل لي ظرفًا من ذلك الفتى بعدما أعلمني بوفاته، سارعت لفتح الظرف، فوجدت صورتي مرسومة بيديه، ثم كتب على الصورة: نحتاج أن نكون الأوائل في أن نرسم صور من وقفوا معنا يومًا في مواجهة الألم، أشكرك.
واليوم من صفحة جريدة الوطن أطلق نداء، فلنكن نحن الأوائل، فلنطلق معًا معرضنا الأول على أرض قطر كعبة المضيوم بكل الألوان، ولنجد مكانًا يواجه البحر وتحضنه السماء، ونحوله لمعرض صور للحياة، نضع فيه صوراً لأناس أحيوا الأمل في حياتنا، ولنكن نحن الأوائل.. ربما نحيي من خلال هذه الصور مشاعر الإنسانية في كل مكان، ربما تعود الإنسانية ربما.
سيدي القارئ... لقد اخترت صورتي الأولى... وقريبًا سأنتظركم في مبادرتي الجديدة حيث تضمنا قطر إليها كالعادة في (معرض الحياة)، فلنكن نحن الأوائل... ربما تتغير معادلة الحياة.
copy short url   نسخ
26/09/2020
338