+ A
A -
كنعان بن العيني كاتب يمني
أشعر بنفس الشعور الذي يشعر به كل من لفت نظره عنوان هذا المقال بدون حتى قراءة النص كاملاً كي تتضح له الرؤية وتتكون لديه الفكرة، فقط من العنوان فيسلوجياً تشكلت في داخله نتائج ترجح الكفة السلبية نتيجةً للواقع الحالي والأحداث المتتالية، ولا سيما العقد الأخير الذي أزهقت فيه ملايين الأرواح وشُردت ملايين أخرى، مما كان لهذا الدماء نتائج سلبية على البلدان التي لا زالت مستقرة بفضل الله وبفضل من كان له الفضل، ومن هذه النتائج السلبية العبء الاقتصادي والاجتماعي نتيجة الأعمال الدوبلماسية التي تحاول أن تقارب بين وجهات النظر وتسعى لإيجاد الحلول ولملمة الحالة الاقتصادية وما يترتب عنها من تدهور العملة المحلية وبين عبء الملايين التي تبحث عن أوطان وأعمال وبدأت تبحث عن اللجوء وفرص عمل تمكنها من تسيير حالتها المعيشية في أي مكان في هذه الكرة الأرضية ليس فيه أصوات أزيز الرصاص ومدافع المجنزرات وفقاً لعكس معطيات الواقع الذي ينذر بالأسواء. إن هذه الشعوب العربية تتناسب مع بعضها تناسباً طردياً مهما بدأت ألفُرقة الجغرافية، إلا أن هذا الوطن وهذه الشعوب كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وكان ختام هذا العقد المؤلم مع شديد الأسف ليس مسكاً إنما كيراً ووباءً وغضباً لم تتضح ملامحه بعد حتى الآن، والذي كان أحد العوامل الرئيسية التي سببت الأزمات النفسية بنسبة كبيرة لدى طبقة الشباب في خلال الخمسة الأشهر الماضية والتي تحولت منازلهم ومتنزهاتهم وحاراتهم وشوارعهم إلى أشبه بسجن انفرادي ولم يختلف الانفرادي عن الواقع إلا بالأضواء الحمراء التي تزعج السجين ليستسلم أمام التحقيق، وإلا فإن الواقع الذي عاشه هذا الجيل في خلال الخمسة الأشهر الماضية لا يختلف عن الحبس الانفرادي إطلاقا.
وهذه الجائحة الفيروسية ما يسمى «فيروس كورونا» والتي قد أنهكت الإنسان معنوياً واقتصادياً واجتماعياً وصحياً مما جعل اليأس وخيبة الأمل يتغلغلان إلى أعماق تفكيره وأوشكت قدراته الطبيعية أن تستسلم للواقع وترفع الراية البيضاء أمام هذا الكم الهائل من الانحناءات سواءً على المستوى الفردي أو مستوى الدولة وما يترتب عنها من أضرار.
إذاً هل القرار الصائب هو الاستسلام؟!
بالطبع لا..
ليس الاستسلام قراراً صائباً على الإطلاق وليس القبول بالهزيمة ورفع الراية البيضاء محمل شرف في هذه الأطر المصيرية في حياة ومستقبل الأجيال، فهذا التحدي ليس تحدي كرة قدم أو سباق فورمولا حتى يُقَبّل المنتصر الخاسر وحتى يَقبل الخاسر بالهزيمة ويهنئ المنتصر ويدّعي أنه سوف يعوض هذه الخسارة في المرة القادمة.
فهذا التحدي هو تحدي البقاء والصراع من أجل الارتقاء والاستسلام هي خيانة تحمل لنا العار أمام تاريخ أجدادنا الذين خاضوا تحديات مصيرية وسجلوا في صفحات التاريخ بطولات أشبه بالمعجزات والتي لازالت تُدرّس بطولاتهم في العديد من الجامعات العربية والإسلامية وكذلك الجامعات الغربية، وكل هذا الصمود والتحدي وهذه الإنجازات والمعجزات وكان طعامهم هو التمر واللبن، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، ويصحون صباحاً ليس على صوت أم كلثوم أو الشحرورة صباح ولا على صوت المنبهات الهادئة التي تمنح الشخص طاقة إيجابية إنما حرارة الشمس وسخونة الأرض وأصوات الأنعام وصهيل الخيل هي من تيقضهم صباحاً ليبدأ معهم يوماً جديداً مليئاً بالاهداف والتطلعات.
علينا أن لا نستسلم لهذه الظروف ولا لهذه المعطيات، وعلينا أن نقتدي بصلابة أجدادنا الذين جعلوا من الجبال بيوتاً، ومن الصحراء القاحلة وطناً ومسكناً، ومن الأشجار وقوداً لطهي الطعام ومراكب تجري في البحر، ومن ارتدت أجسادهم جلود الأنعام، ولا أعتقد أنه سوف يأتي علينا زمان فيه الظروف أسوأ من الأزمنة والظروف التي عاصرها أجدادنا، ومع هذا كان لهم في صفحات التاريخ مالم يكن لغيرهم.
أخيراً
علينا أن لا ننسى أن وجهاتنا السياحية في أوروبا وغيرها ومن نعتبرهم بلدان العالم الأول لم يُخلَقوا وهم بهذه النهضة وبهذا التطور المتسارع، ولكن كانوا في الأمس القريب يعيشون أسوأ منا اقتصادياً واجتماعياً وأيضاً الحروب الطاحنة التي تعرضوا لها والإبادات الجماعية، ففي خلال الحربين العالمية الأولى والثانية فقط قُتل وجُرح أكثر من مائة مليون شخص وتدمرت بلدان بالكامل وتعرضت شعوب للقنابل النووية والذرية ولأسلحة الدمار الشامل ومع هذا نهضوا متحديين قوانين الحياة وفيسلوجيا الجسم.
copy short url   نسخ
26/09/2020
445