+ A
A -
عبدالله رضوان كاتب تركي
موهاكس وما أدراكم ما موهاكس! حيث السهل الذي يغص بالمستنقعات..
يصل سليمان بجيشه المنهك المتعب ليجد أمامه أكثر من مائتي ألف مقاتل صليبي في قمة الاستعداد للمعركة، يتقدمهم أكثر من 35 ألف فارس مسربل بالحديد الذي تعجز السهام عن اختراقه.
وهنا أعلن عجزي عن تصوير تلك المعركة في أسطر قليلة، ولكن حسبي أن ألخص لكم أحداثها..
عندما رأى السلطان الجيش الصليبي لم ينخلع قلبه، إنما كان يفيض على كل من حوله بالحماس والثقة بنصر الله، نعم فقد كان للسلطان أعصاب قدت من الفولاذ متمسكاً بإيمانه الذي يذيب الصعاب كما تذيب الشمس جبلاً من الجليد، وقد أقسم أمام جنده أنه سيحول ذلك الجيش الصليبي إلى كثيب مهيل.
يعمد السلطان إلى تقسيم جيشه إلى ثلاثة صفوف على امتداد أكثر من 10 كم، على أن تكون في المقدمة القوة الانكشارية، تلك القوة الضاربة التي كان العثمانيون يعتمدون عليها، أما السلطان سليمان والمدفعية ففي الخلف.
يُحسن ملوك أوروبا استغلال الفرصة الذهبية، فالجيش المسلم منهك متعب، فيقررون ساعة الصفر لبدء المعركة، وهي بعد العصر ليتسنى لهم الاحتفال في المساء بنصرهم الموعود، وليشربوا نخب الظفر في أقحاف رؤوس المسلمين.
يخاطب السلطان جنده بكلمات تنساب ثقة بالله مخبراً جنده «إن روح رسول الله تنظر إليكم وتطوف بينكم». يستشعر الجند معاني وطهر تلك الكلمات، فتفيض المقل بالدمع، يأمر السلطان القوات الانكشارية بالصمود قليلاً، ثم تصنع الهروب والفرار بينما كانت القوات المسلمة في النسق الثاني تفر إلى الجوانب، حتى إذا ما أصبحت القوات الصليبية في مواجهة المدافع فتكت بهم القذائف، وتنجح خطة السلطان سليمان أيما نجاح، حيث حصدت المدافع نخبة القوات الصليبية المدرعة، ثم أطبقت القوات العثمانية على ما تبقى من الجيش الصليبي، كانت الصدمة أكبر من أن تحتملها العقول، فقد طار صوابهم من هول المباغتة، نعم ساعة ونصف الساعة كانت كافية للقضاء على جيش قوامه مائتي ألف، حيث اعتبر المؤرخون أن ذلك النصر أسرع نصر يحققه العثمانيون في الحروب..
ولكن أين الملك المجري؟ لقد أصبح صريعاً..
نعم لقد قتل مع قادته، وقضي على جيشه..
وهذا المؤرخ التركي [يلماز أوزتونا] يرسم لنا بريشة قلمه تلك الحقيقة وهو يصف سرعة الحسم العسكري الذي قام به الجيش العثماني: «استمرت الحرب ساعة ونصف الساعة فقط، وفي نهاية هذه المدة أصبح الجيش المجري في ذمة التاريخ».
يسجد السلطان سليمان شاكراً ربه الذي منحه هذا النصر المبين وهو يردد {هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله}.
أخذت عينا السلطان الشاب ترنوان إلى بودابست التي لا تبعد عن موهاكس أكثر من 170كم.
لقد أصبح الطريق إليها مفتوحاً، فمن ذا الذي يستطيع إيقاف هذا السلطان الشاب، وفي بودابست يعلو التكبير، وليبر السلطان بقسمه بتقبل التهاني بالعيد في رحاب هذه المدينة.
نعم إنها موهاكس، أكبر نكسة احتفظت بها الذاكرة الأوروبية.. إنها الوجع الذي ينخر في جسد تاريخهم، لحظة حزن مفصلية في حياتهم، كيف لا وهذا أحدهم إذا ما أراد أن يعبر عن عظم الفاجعة أو المصيبة التي ألمت به، جاء بالمثل الشعبي الذي سار في بلدانهم مع الركبان «أسوأ من هزيمتنا في موهاكس».
وأما نحن الذين أكرمنا الله بتلك الملحمة فما بالنا نسينا هذا النصر المبين، وجعلناه على هامش ذاكرتنا، حتى إن أحدنا لا يعرف عن هذه المعركة إلا النذر اليسير، أو ربما لم يسمع بها قط.. ولعمري تلك الطامة الكبرى حينما نعرض عن ذاكرة تاريخنا، وكيف إذا ما كان هذا التاريخ يوماً من أيام لله، اسمه موهاكس!!
copy short url   نسخ
26/09/2020
185