+ A
A -
نجوى إسماعيل كاتبة لبنانية
آيلان، الطفل السوري، عاد إلى الشاطئ، جثة هامدة تقذفها الأمواج رأفة به، لترميه على اليابسة، فيتم تكفينه ودفنه في أرضه.
أما محمد، الطفل اللبناني، فهو لم يعد بعد، وربما تضل جثته في قاع البحر، فلا يدفن بالقرب من بيته في طرابلس، حيث ولد ولعب ونطق لأول مرة بكلمة: «ماء».
في المرة الأولى التي نطق فيها بهذه الكلمة، طالبًا المياه من والدته، صفق وهلل الجميع فرحًا به، فقد تعلم طفلهم كلمة جديدة.
لكن، في المرة الثانية التي طلب فيها محمد من والدته زينب القاق أن يشرب المياه، بكت كثيرًا وطلبت منه أن يصبر لعل الأمواج تحملهم إلى حيث المياه والطعام، لكن محمد لم يتمكن من الصمود طويلًا، ولم تسعفه حبات المياه المالحة التي سقته إياها والدته، فأسلم الروح في عرض البحر.
توفي محمد وطفل آخر و14 شخصًا لفظوا أنفاسهم الأخيرة على متن عبّارة كانت تقل 50 لبنانيًا مع أسرهم، أبحرت بهم من مدينة طرابلس للوصول إلى مياه قبرص الإقليمية، وطلب اللجوء من سلطاتها.
كانت عبّارة الموت تلك تقل لبنانيين هاربين من الذل في وطنهم، طامحين بحياة أكثر كرامة في بلاد لا يعرفون عنها شيئا، سوى أن الناس فيها لا تموت من الجوع والعطش، لكن المازوت نفد منها، وواجه من عليها مأساة الجوع والموت، وقلة تمكنت من النجاة.
عندما كان محمد ينازع بين الحياة والموت وهو بين يدي والدته، كانت الأخيرة تطلب منه أن يتحمّل وهي تدرك أن طفلًا لم يتجاوز السنوات الثلاث لا طاقة له بالتحمل، قالت له: «اصبر يا ولدي، ستصلنا فرق الإنقاذ، بلادنا لم تقدم لنا شيئا وحكامنا تخلوا عنا، لكن لا بد أن في قلوبهم ذرة رحمة، سيرسلون لنا المساعدة قريبًا، وبعض المياه والطعام، فهم لديهم الكثير لا أحد منهم يشكو فاقة أو عوزا، بطونهم متخمة وجيوبهم مليئة بالأموال، لا تقلق يا بني، الطعام موجود، ما علينا سوى أن نصبر قبل أن يصل إلينا».
سلم محمد الروح في عرض البحر، حملته والدته ميتًا ليومين، كانت لا تزال تتحدث إليه: «سوف ينقذوننا وسأدفنك بالقرب من البيت كي لا أفارقك ليل نهار، وكي أنثر الورود على قبرك وأغسله بدموعي».
في اليوم الثالث، حملت زينب ابنها ورمته في عرض البحر، بعد أن صلى على جثمانه من كانوا على متن السفينة، ومنذ ذلك اليوم وزينب تبكي ولدها وتتضرع لله أن تبعث أمواج البحر بجثته إلى الشاطئ، فهي تريد أن تفي بآخر وعد قطعته له، بأن تدفنه بالقرب منها.
copy short url   نسخ
26/09/2020
295