+ A
A -
كتب - محمد الأندلسي
تمتلك دولة قطر نظاما ماليا قويا ومتطورا يلعب دورا كبيرا في تعزيز النمو الاقتصادي، وهو ما يؤكده تقرير الآفاق الاقتصادية لدولة قطر (2020 - 2022) الصادر عن جهاز التخطيط والإحصاء، والذي يشير إلى أن القطاع المالي والنقدي يمثل بأنشطته المصرفية، والتأمينية، أحد أهم القطاعات الرئيسية في الاقتصاد القطري، ويُدار وينظم ويشرف عليه من قبل ثلاث سلطات تنفيذية، هي: مصرف قطر المركزي، وهيئة تنظيم مركز قطر للمال، وهيئة قطر للأسواق المالية، حيث تم إنشاؤها بقوانين صدرت من دولة قطر.
وأفاد التقرير بأن القطاع المالي والنقدي استحوذ على حوالي 7 % من متوسط إجمالي الناتج المحلي خلال الفترة ( 2011 - 2019 )، وكذلك على حوالي 12.4 % من متوسط أنشطة الناتج المحلي غير النفطي، كما سجل متوسط نمو سنوي بلغ حوالي 9.5 %، وساهم بحوالي 0.52 نقطة مئوية إلى متوسط معدل نمو الناتج المحلي
الإجمالي
البالغ 2.7 %، خلال الفترة نفسها، كما يساهم في تشغيل ما لا يقل عن 1 % من القوى العاملة، مع العلم أنه على الرغم من انخفاض مساهمته في تشغيل القوى العاملة، إلا أن معدل إنتاجية قوته العاملة هي الأعلى في الاقتصاد الوطني نظراً لما تولده من قيمة مضافة مرتفعة.
التنمية الاقتصادية
وأكد التقرير أن القطاع المالي والنقدي يلعب أدواراً هامة
غير مباشرة في مجال الأعمال غير المصرفية، من خلال شركات التأمين، أو أسواق الأوراق المالية، أو أنشطة الصناديق والمؤسسات والشركات التمويلية، فضلاً عن شراكته الأساسية مع وزارة المالية في رسم السياسات الاقتصادية، وتسهيل التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتكاملة، مما يجعله أحد أهم القطاعات الداعمة لاستقرار مؤشرات الاقتصاد الكلي، وتجدر الإشارة هنا إلى أن دولة قطر تمتلك نظاما ماليا وتأمينيا متقدما وفق أحدث المعايير الدولية، مكنته من لعب دور محوري في عملية البناء والتطوير كوسيط مالي في توفير بيئة آمنة لجذب الودائع، وتحفيز المدخرات للأفراد والشركات، وتسهيل المعاملات التجارية، وتحفيز الاستثمار، إلى جانب تمويل أنشطة تنفيذ المشروعات الاستثمارية من خلال قروض قصيرة الأجل، أو من خلال شراء أسهم في أسواق الأوراق المالية المحلية والدولية. كما يساهم القطاع المالي في تمويل المشتريات والمشاريع الحكومية من
خلال شراء السندات السيادية (سندات خزانة)، وتوفير القروض متوسطة الأجل، كما يوفر تسهيلات ائتمانية طويلة الأجل، لتمويل المشاريع الكبرى لجميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، إما عن طريق تمويل مشاريع البنية التحتية، أو عن طريق تمويل
الأصول الثابتة، مثل: المباني والآلات، وكذلك شراء المواد الخام، وتؤدي العلاقات المتبادلة بين مصادر رأس المال واستخداماتها إلى الاستخدام الأمثل للموارد المالية، والحفاظ على استدامة التنمية الاقتصادية، وتحقيق الاستقرار المالي والنقدي، بينما تساهم أنشطة التأمين في الحفاظ على الموارد المالية، وغير المالية، وتأمين المعاملات التجارية، وبالتالي تعزيز الثقة في استدامة الاقتصاد القطري، وخلق بيئة مواتية للاستثمار. وبهدف توسيع استخدام الخدمات المالية المصرفية، وضمان شمولها لجميع شرائح المجتمع، فقد فتحت الحكومة المجال أمام المستثمرين، وأصحاب رؤوس الأموال المحليين والأجانب، لإنشاء وتأسيس بنوك تقليدية، وإسلامية، وشركات مالية ولغرض مواكبة القطاع المالي والتأمين لمتطلبات الانفتاح على العالم الخارجي فقد دشنت قطر بنكا برأسمال حكومي «قطر للتنمية»، لمنح قروض بشروط مبسطة وميسرة لرواد الأعمال في المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
السياسة النقدية
وتماشياً مع سياسة دولة قطر في مواكبة المستجدات العالمية في مجال الأعمال المصرفية، فقد استخدم مصرف قطر المركزي مجموعة من أدوات السياسة النقدية، خلال السنوات الثلاث الماضية، لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، أهمها: أدوات السوق النقدي القطري، والمتمثلة في أسعار الفائدة على الودائع، والإقراض لليلة واحدة، والمعروفة بسعر سوق النقد، وآلية إقراض للبنوك التجارية بسعر إعادة الشراء بنظام الريبو ونسبة سعر الاحتياطي الإلزامي، وشراء وبيع سندات الخزانة والسندات والصكوك. بهدف زيادة السيولة للبنوك المحلية بما يعرف بالسوق المفتوحة مع مراقبة سوق أسعار الصرف ومؤشرات الأرقام القياسية لأسعار المستهلكين والمنتجين.
ويولي مصرف قطر المركزي أداة سوق النقد القطري أهمية خاصة لكونها تضبط علاقة الريال القطري بالدولار الأميركي من خلال إجراء مراجعة دورية لتطورات السياسات النقدية للاحتياطي الفيدرالي الأميركي، من أجل توخي الحيطة والحذر من أي تداعيات سلبية على المستوى المحلي، والمتمثلة في التدفقات الخارجة والداخلة من وإلى النظام المصرفي القطري، حيث شهد معدل سعر فائدة الإيداع لليلة واحدة تعديلات متتالية، خلال الفترة ( -2017 2020 ) من متوسط 1.35 % في عام 2017 (متأرجحة ما بين 1 % و1.5 %)، إلى متوسط 1.96 % في عام 2018 (متأرجحة ما بين 1.5 % و2.5 %)، ثم إلى متوسط % 2.35 في عام 2019 (متأرجحة ما بين 2 % و2.5 %)، وخلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2020، تم تخفيضه إلى 1 % في (مارس 2020 )، مقارنةً بمتوسط 0.1 % لمعدل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، كأحد الإجراءات لاحتواء تداعيات جائحة كورونا على اقتصادات دول العالم.
نمو الودائع
ووفقا لتقرير الآفاق الاقتصادية لدولة قطر فإن إجمالي عرض النقد كمقياس للسيولة المحلية بلغ في مايو 2020 حوالي 583 مليار ريال والتي تمثل حوالي 88 % من الناتج المحلي الإجمالي، مع العلم بأن مصادر عرض النقد تتكون من ودائع القطاع الخاص بنسبة 67 %، ومن ودائع القطاع العام والممثلة فقط بودائع المؤسسات العامة (الحكومية وشبه الحكومية) بنسبة 30 %، ومن النقد في التداول بنسبة 3 %، أما بالنسبة لتوزيع مصادر هذه الودائع بحسب النشاط الاقتصادي في تشكيل عرض النقد، فإن الودائع لأجل تُمثل 48 %، تليها الودائع بالعملات الأجنبية 26 %، ثم ودائع تحت الطلب 23 %، حيث يلعب النقد في التداول دور العامل المشترك، فهو يمثل أحد المصادر، وفي الوقت نفسه كأحد استخدامات السيولة المحلية.
وشهد معدل التغير السنوي لعرض النقد في مايو 2020 نمواً بلغ 5.1 % مقارنة، بمعدل تراجع بلغ 4.5 % في مايو 2019 حيث جاء معظم هذا النمو من زيادة مساهمة ودائع القطاع الخاص بـ 5.6 نقطة مئوية على شكل ودائع تحت الطلب، وودائع لأجل، وودائع بالعملات الأجنبية، وقد تغلبت البنوك القطرية على أثرين هامين للحصار الاقتصادي، وهما: وقف التدفق المالي إلى الخارج، وزيادة التدفق إلى الداخل، ومن أهمها تدفق ودائع غير المقيمين.
ولفت التقرير إلى أن الودائع غير المقيمة ساهمت في نمو إجمالي الودائع في عام 2019 بنسبة 4.8 نقطة مئوية، مقارنة بانخفاض قدره 6.3 نقطة مئوية خلال الفترة المباشرة بعد الحصار (ديسمبر 2017) ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه كلما ارتفعت ودائع غير المقيمين، كلما قامت المؤسسات العامة بسحب جزء من ودائعها بالعملات الأجنبية في البنوك القطرية، سواءً للاستثمار في الخارج أو لزيادة الودائع لأجل في البنوك المحلية، مشيرا إلى أن هناك علاقة ارتباط بين مسار تطور ودائع المؤسسات العامة والودائع بالعملات الأجنبية من حيث تأثيرها على معدل التغير السنوي لعرض النقد، وهو ما يُشير إلى دور المؤسسات العامة في رفد النظام المصرفي بالعملات الأجنبية، وعلى رأسها جهاز قطر للاستثمار، ومؤسسة قطر للبترول.
copy short url   نسخ
26/09/2020
2779