+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
قد ذكر الله تعالى في كتابه العلم تارة في مقام المدح وهو العلم النّافع وذكر العلم تارة في مقام الذّمّ وهو العلم الّذي لا ينفع، فأمّا الأوّل فمثل قوله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)، وقوله: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ)، وقوله: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)، وقوله: (إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ)، وغير ذلك من الآيات. هذا وقد يكون العلم في نفسه نافعا لكن صاحبه لم ينتفع به، كما قال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً)، وقال سبحانه: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ)، وقال أيضا: (وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ).
والعلم النّافع هو ما كان ضبط نصوص الكتاب والسنة، وفهم معانيها والتّقيّد في ذلك بالمأثور عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في معاني القرآن والحديث وفيما ورد عنهم من الكلام من مسائل الحلال والحرام والزهد والرقائق والمعارف وغير ذلك، والاجتهاد على تمييز صحيحه من سقيمه أولا، ثمّ الاجتهاد على معرفة معانيه وتفهّمه ثانيا. وهذا العلم النّافع يدلّ على أمرين: أحدهما: معرفة الله وما يستحقّه من الأسماء الحسنى والصفات العلى والأفعال الباهرة، وذلك يستلزم إجلاله وإعظامه، وخشيته ومهابته، ومحبته ورجاءه، والتوكل عليه والرضا بقضائه والصبر على بلائه، والأمر الثاني: المعرفة بما يحبه ويرضاه، وما يكرهه ويسخطه من الاعتقادات، والأعمال الظاهرة والباطنة والأقوال.
واختلفت عبارات الناس في بيان العلم المفروض، والصحيح أن يقال: هو علم معاملة العبد لربه وهو يدخل في باب الاعتقاد والأفعال، وهذا العلم المفروض ينقسم إلى قسمين: فرض عين: وهو ما يتعيّن وجوبه على الشخص من توحيد الله ومعرفة أوامره وحدوده في العبادات والمعاملات التي يحتاج إليها، وفرض كفاية: وهو كل علم لا يستغنى عنه في قوام الدنيا كالطب والحساب، ومن العلوم ما يكون مباحا كالعلم بالأشعار الّتي لا سخف فيها، ومنها ما يكون مذموما كعلم السّحر والطّلسمات. وأما العلوم الشرعية فكلها محمودة، وتنقسم إلى أصول وفروع ومقدمات ومتممات، فالعلم يرفع الوضيع ويعزّ الذليل ويجبر الكسير، هو دليل حب الخير للآخرين لحرص صاحبه على إخراج الناس من ظلمات الجهل إلى نور العلم.
{ أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
copy short url   نسخ
23/09/2020
606