+ A
A -
بسمة النسور كاتبة أردنية
لا شيء يبعث على الغضب والحزن، في هذا الزمن الموحش، أكثر من مشهد أطفال مستضعفين، لم يتجاوز أكبرهم العاشرة، يتراكضون بين السيارات في ساعاتٍ متأخرة من الليل. يتسولون عند الإشارات الضوئية، متسترين بخدعة بيع بضائع خفيفة لا حاجة لها، أو يهرعون إلى تنظيف زجاج السيارات، المتوقفة رغما عن إرادة سائقيها، مستعطفين الناس، عاملين على إثارة الشفقة بملابسهم الرثة وملامحهم البريئة. يفعلون ذلك، في أحيان كثيرة، مرغمين لصالح عصابات منظمة، تستأجر الصغار من ذويهم قساة القلوب، متبلّدي المشاعر، بلا ذمة أو ضمير، بحيث يحرمون أولادهم من دفء الفراش وأمان البيوت، ويرمون بهم، تحت ذريعة الحاجة إلى الشوارع، عرضةً للبرد والحر والإهانة والجوع. يتاجرون بأولادهم وبناتهم، في اعتداء سافر على إنسانيتهم، فتحقق تلك العصابات المجرمة الغاشمة أرباحا طائلة، جرّاء عذابات أولئك الصغار عاثري الحظ، المحرومين من أبسط حقوقهم الإنسانية في مقابل فتاتٍ لا يغني عن طفولةٍ ضائعة. ولكن أي مبرّرات منطقية، يمكن تسويقها لأولئك المترفين الجشعين من قاطني الفلل الفاخرة، تجار قنوات اليوتيوب، وهم يستخدمون أطفالهم، كما لو أنهم قردة في سيرك متجوّل، ينزعون عنهم أمانهم واستقرارهم النفسي، وعفويتهم وبراءتهم، مشهرين الكاميرات في وجوههم على مدار الساعة، محققين الأرباح الطائلة.
النماذج على امتهان الأهل الطفولة أكثر من أن تُحصى، ولعل أكثرها غباء وفجاجةً الحكاية التي أثارت، أخيرا، ضجة كبرى في مصر والعالم العربي، عن «اليوتيوبر» المصري الأكثر شهرة، حسن وزوجته زينب، وهما اللذان اعتدوا على طفولة صغيرتهما، في مقاطع فيديوهات يومية، حققت لهم ما يبنغي أن يشبع جشعهم. وفي مقطع الفيديو الذي أثار، أخيرا، ضجة كبرى، قررا إعداد مقلب ماكر بالصغيرة المسكينة ذات السنة والنصف، سعيا إلى الإثارة الرخيصة، حين غيرت الأم ملامح وجهها، وطلته باللون الأسود، وقامت بترهيب الصغيرة، فاشتد صراخها وسط سخرية والديها العبقريين وضحكاتهما، ما دفع أحد المتابعين إلى تقديم شكوى رسمية فور انتشار المقطع لمجلس الطفولة، متّهما الزوجين بإيذاء الطفلة وترويعها. المجلس القومي للأمومة والطفولة تقدّم ببلاغ رسمي، إلى النيابة العامة التي استدعتهما تمهيدا لمحاكمتهما، وتطبيق العقوبة التي يستحقانها، لعل في هذه الحكاية المؤسفة درسا بليغا لآخرين، ممن يتاجرون بأطفالهم، سعيا إلى مكاسب ومشاهدات، غير مدركين الآثار النفسية والتشوهات التي ستحدث في تلك الأرواح الهشّة.
{ العربي 21
copy short url   نسخ
23/09/2020
1471