+ A
A -
على الجانب الآخر من مبنى الكابيتول الأميركي المهيب، يقع مبنى المحكمة العليا التي تمثّل الحكَم النهائي في المسائل القانونية الأميركية الأساسية، والتي يمكن أن تشمل حقوق الأقليات والمثليين والعنصرية وعقوبة الإعدام والخلافات الانتخابية. أنشئت المحكمة بموجب المادة الثالثة من الدستور، وتتألف من رئيس قضاة وثمانية قضاة مساعدين، جميعهم معينون مدى الحياة.
وقد تشكل وفاة روث بادر غينسبورغ، عميدة الفصيل الليبرالي في المحكمة، الجمعة، فرصة للرئيس الجمهوري دونالد ترامب لمنح المحافظين الأغلبية لعقود قادمة.
ورغم أن منافسه الديمقراطي في السباق الانتخابي نحو البيت الأبيض جو بايدن حذّر من أنّ ترامب ليس له الحق في تسمية خليفة للقاضية الراحلة بسبب قرب الانتخابات الرئاسية المقررة في 3 نوفمبر، تعهد زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل أنه سيجري عملية تصويت على مرشح ترامب ليحل محل غينسبورغ.
وسبق لترامب أن عيّن اثنين من القضاة المحافظين بشدة في المحكمة العليا خلال فترة ولايته وهما نيل غورسوش وبريت كافانو.
ينهي القضاة أحيانًا حياتهم المهنية عن طريق الاستقالة من مناصبهم، بينما يعمل الآخرون في المحكمة حتى وفاتهم.
يمكن لقضاة المحكمة التقاعد عند بلوغهم 70 عاما، لكن نادرًا ما يفعلون ذلك.
وكانت غينسبورغ، التي توفيت عن عمر عن عمر يناهز 87 عاما، أقدم قاضٍ في المحكمة المرموقة.
ومن بين القضاة الليبراليين المتبقين في المحكمة سونيا سوتومايور، 66 عاما، وإيلينا كاغان، 60 عامًا، اللتان عينهما الرئيس السابق باراك أوباما، وستيفن براير 82 عامًا.
وبالإضافة لغورسوش البالغ 53 عاما وكافانو (55 عاما)، يضم فريق المحافظين رئيس المحكمة العليا نفسه جون روبرتس 65 عاما وصامويل اليتو (70 عاما)، وكلارينس توماس (72 عاما) العضو الأسود الوحيد في المحكمة، المعروف بعدم التحدث أبدًا أثناء المرافعات الشفوية.
مثل جميع موظفي الخدمة المدنية ورؤساء الولايات المتحدة، يمكن محاكمة قضاة المحكمة العليا وعزلهم من مناصبهم إذا ثبتت إدانتهم بالخيانة أو الفساد أو غيرها من الجرائم الكبرى، لكن هذا لم يحدث بعد.
منذ إنشاء المحكمة، يتم تعيين قاض جديد من قبل الرئيس كل عامين تقريبًا، وعمل القضاة في المتوسط حوالي 15 عامًا. لكن البعض يخدم لفترة أطول.
فعلى سبيل المثال تم تعيين أنطوني كينيدي، الذي تقاعد في العام 2018، في عام 1987 من قبل الرئيس رونالد ريغان وتم تثبيته في منصبه في العام التالي.
كما تم تعيين غينسبورغ في عام 1993 من قبل الرئيس الديموقراطي بيل كلينتون.
انتباه
وللوصول لهذا المنصب المرموق، يجب أولا أن يجتاز المرشح للمحكمة العليا جلسة استماع في اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ الأميركي، ثم تتم الموافقة عليه في تصويت في جلسة عامة لكامل أعضاء مجلس الشيوخ.
ولكي تصل قضية إلى المحكمة العليا، يجب على مقدم الالتماس الطعن في دستورية حكم محكمة استئناف فدرالية أو في بعض الحالات حكم محكمة الولاية.
إلا أنّ القضاة يحتفظون بالحق في اختيار القضايا التي سينظرون فيها.
وتفتتح المحكمة جلستها السنوية أول يوم اثنين من شهر أكتوبر، وتظل منعقدة حتى نهاية يونيو.
عندما تكون المحكمة منعقدة، يدخل القضاة قاعة المحكمة في تمام العاشرة صباحًا لحضور الجلسات العامة.
ومع سماع صوت المطرقة، ينهض الحضور ويبقون واقفين حتى يجلس القضاة ذوو الثياب السوداء.
يعلن مدير المحكمة بدء الجلسة بالعبارة التقليدية «المحترمون، رئيس القضاة والقضاة المساعدين في المحكمة العليا للولايات المتحدة. انتباه! انتباه! انتباه! جميع الأشخاص الذين لديهم أعمال أمام المحكمة العليا للولايات المتحدة الموقرة، عليهم الاقتراب وإبداء الاهتمام، فالمحكمة منعقدة الآن».
ويتابع «حفظ الله الولايات المتحدة وهذه المحكمة المبجلة!»، ليبدأ انعقاد الجلسة رسميا.
بعد تلقي المرافعات المكتوبة من كلا الجانبين، وكذلك شهادات اصدقاء المحكمة من غير المتقاضين المهتمين بنتيجة القضية، يحصل المحامون الذين يمثلون كل جانب على 30 دقيقة فقط لمناقشة قضيتهم، يمكن للقضاة خلالها طرح الأسئلة.
ترسل المحكمة العليا أحيانا قضايا إلى محكمة أدنى لإعادة النظر في قرارها ويمكن للقضاة أيضا النظر في طلبات عاجلة، مثل الاستئناف لوقف أو تأجيل تنفيذ قرار وشيك.
تتم الموافقة على قرارات المحكمة بالأغلبية وتتم كتابة آرائها من قبل أحد القضاة.
يمكن للقضاة الآخرين إضافة تعليقاتهم الخاصة، أو كتابة رأي مخالف إذا عارضوا الحكم، وهو الأمر الذي اشتهرت به الراحلة غينسبورغ.
وكشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه يعتزم التحرّك المضي سريعا في تسمية بديل في المحكمة العليا لعميدة قضاتها في خيار ينبئ بنهاية محتدمة للحملة الانتخابية الرئاسية.
وبرر ترامب في تغريدة أنّ تسمية قضاة لهذه المحكمة هو «القرار الأهم» الذي ينتخب من أجله رئيس. وقال إن تسمية قاض (بديل لغينسبورغ) «واجب، علينا (المضي به) دون تأخير».
وتوفيت روث بادر غينسبورغ، القاضية التقدمية التي تعد أيقونة لليسار محاطة بعائلتها، بعد معركة مع سرطان البنكرياس. وأثارت وفاتها موجة من الحزن في البلاد وقلقاً في صفوف الديمقراطيين إذ إنّ وصول قاض يعيّنه ترامب سيجعل المحكمة في قبضة المحافظين لمدة طويلة.
وقبل 45 يوماً من موعد الانتخابات الرئاسية، وجّه الرئيس السابق باراك اوباما والمرشح الديموقراطي جو بايدن تحذيراً لترامب.
وقال بايدن في تصريح صحفي «يجب على الناخبين اختيار الرئيس وعلى الرئيس اختيار قاض لينظر فيه مجلس الشيوخ».
وبدوره، دعا اوباما خلفه إلى الامتناع عن ذلك في الوقت الذي بدأت فيه «عمليات اقتراع» في الانتخابات الرئاسية المرتقبة في 3 نوفمبر.
ويعيّن القضاة التسعة في هذه المحكمة لمدى الحياة، وسبق لترامب أن عيّن اثنين هما نيل غورسوتش وبريت كافانو. ويحوز فريقه السياسي على خمسة مقاعد داخل المحكمة حاليا.
وتملك المحكمة العليا الأميركية كلمة الفصل في كل القضايا الاجتماعية الكبرى التي ينقسم عليها الأميركيون مثل الإجهاض وحق الأقليات وحيازة السلاح وعقوبة الإعدام وغيرها. ولهذه المحكمة أيضا الكلمة الفصل في النزاعات الانتخابية، على غرار ما حصل في انتخابات عام 2000 التي انتهت بفوز جورج بوش الابن.
وبموجب الدستور، يختار الرئيس مرشحه ويطرحه على مجلس الشيوخ للمصادقة عليه.
وأعلن زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل منذ مساء الجمعة أنه سيجري عملية تصويت، بالرغم من أنه رفض عام 2016 تنظيم جلسة استماع إلى قاض اختاره باراك أوباما لهذا المنصب بحجة أنه كان عاما انتخابيا.
وكان ترامب أعلن في أغسطس أنه لن يتردد في تعيين قاض في المحكمة العليا حتى قبل وقت قصير من الانتخابات. وحرصا منه على حشد تأييد اليمين المتدين، وضع بعد ذلك قائمة أولية بمرشحين جميعهم قضاة محافظون معارضون بمعظمهم للإجهاض ومؤيدون لحيازة السلاح.
وكانت إذاعة «إن بي آر» ذكرت أن القاضية أفصحت عن وصيتها الأخيرة لحفيدتها كلارا سبيرا فقالت لها قبل وفاتها «أعز أمنية لديّ هي عدم تبديلي طالما لم يؤد رئيس جديد اليمين الدستورية».
وقالت السناتورة الجمهورية المعتدلة سوزان كولينز إن الفائز في الانتخابات الرئاسية المقبلة هو من يجب أن يسمي خلفا لقاضية المحكمة العليا روث بادر غينسبورغ.
وجاء في تغريدة أطلقتها «لكي نكون منصفين مع الشعب الأميركي، الذي يمكن أن ينتخب الرئيس لولاية ثانية أو أن يختار رئيسا جديدا، يجب أن يكون الرئيس المنتخب في الثالث من نوفمبر هو من يتخّذ قرار تعيين قاض في المحكمة العليا مدى الحياة»، داعية مجلس الشيوخ إلى عدم إجراء تصويت على بديل لغينسبورغ قبل الانتخابات الرئاسية.
ترامب يواصل حملته
وأيّد رئيس لجنة العدل في مجلس الشيوخ ليندسي غراهام القريب من ترامب توجّه الأخير، وقال «أتفهمه تماماً».
ومن شأن بدء سجال حول تعيين خليفة لغينسبورغ تغيير مسار الحملة الانتخابية التي تهيمن عليها حالياً الأزمة الوبائية وتداعياتها.
ويواجه ترامب المتخلف عن منافسه بايدن في استطلاعات الرأي، انتقادات واسعة حول إدارته للأزمة.
رائدة
والسبت، تدفق حشد من مئات الأميركيين إلى محيط مقرّ المحكمة حيث أعربوا عن تقديرهم لروث بادر غينسبورغ المولودة عام 1933 في بروكلين لعائلة يهودية أميركية وتوفيت يوم عيد رأس السنة اليهودية (روش هاشانا).
وكانت من بينهم كامالا هاريس، التي اختارها بايدن نائبة له في الانتخابات، وقالت لصحفية في فرانس برس، إنّ القاضية كانت «رائدة بالنسبة لي، أيقونة، مكافحة. كانت امرأة بكل ما للكلمة من معنى».
ويرتقب أن تلعب هاريس دوراً مهماً في الايام المقبلة بما أنها أحد أبرز أعضاء لجنة العدل.
وعينت غينسبورغ في المحكمة العليا عام 1993 في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون وتميزت بدفاعها عن حقوق المرأة في السبعينات واكتسبت شعبية واسعة للغاية.
وبالرغم من مواقفها اليسارية، فقد نعاها الجمهوريون والديمقراطيون على السواء.
على الصعيد الدولي، أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن حزنه لرحيل «امرأة استثنائية». وقال إنّ «إرثها الضخم سيبقى مصدر إلهام لنا».
وألهمت حياتها أفلاماً ووثائقيات وأيضاً كتبا للأطفال. وبدأت محال التذكارات في واشنطن تعجّ بقمصان وأكواب عليها صورتها.
ولم تعلن بعد أي تفاصيل حول الجنازة.
copy short url   نسخ
21/09/2020
1852