+ A
A -
سمير حمدي كاتب تونسي
مرّت سنة على الانتخابات الرئاسية التونسية المبكرة، والتي أفضت، في حينها، إلى نتائج مفاجئة، بصعود مرشحين إلى الدور الثاني، هما نتاج للشعبوية السياسية في البلاد، وتعبير عن عمق الأزمة التي عرفتها النخبة السياسية والأحزاب التونسية بعد الثورة.
لا يمكن نفي الأثر العميق للثورة التونسية والتحولات التي أحدثتها في الوعي المجتمعي عموما، ويكفي أن تتحول الحرية إلى المبدأ الأساسي الذي يتحكّم في الرأي العام، وما بثته من روحٍ نقديةٍ لدى الجمهور، وهو ما يمثل الركيزة الأهم في بناء الديمقراطية التي ما زالت تتحسّس طريقها في تونس. وإذا كانت المشكلات الاقتصادية والأمنية هي من قبيل القضايا المعتادة بالنسبة لدولة نامية هي جزء من محيط دولي وإقليمي متوتر ومضطرب، فإن أزمة الوعي السياسي، إن صح التعبير، تظل المشكلة الأكثر خطورة وتأثيرا على مستقبل المسار السياسي في تونس، فالممارسة الديمقراطية تستلزم حضور نخبة سياسية واعية ومؤمنة بأهمية التحولات السياسية، مع ما يفترضه الأمر من مراجعة مسلماتٍ فكريةٍ كثيرة تحكم النخبة السياسية في تونس، وتشكل البنية العميقة التي تنجم عنها كل الأعراض المختلة في المشهد الحزبي والحكومي التونسي. فما طبيعة أزمة النخبة في تونس، وما هي نتائجها وآثارها على الواقع السياسي في البلاد؟
بداية، يمكن القول إن مصطلح النخبة لا يعني التميّز أو التمتع بقدرات قيادية تجعل أصحابها في موقع أهم من باقي الجمهور. وبتعبير أوضح، مفهوم النخبة، هنا، «لا يعني الصفوة، ولا تشي بالضرورة بالرقي والتحضّر، بل يُشتَق بالمكانة والتأثير»، فالنخبة السياسية النافذة في تونس، والتي تحتل مواقع الصدارة، سواء في السلطة أو المعارضة هي، في الواقع، أقرب إلى مجموعات مصالح، تتبادل الدعم وتتقاسم الريع والمغانم،. فالحكومة المستقيلة، والتي ضمت تحالفا حزبيا ضم حركة الشعب والتيار الديمقراطي وحركة النهضة وحزب التكتل وأحزابا أخرى، ظلت تتنازع المواقع، وتتبادل الاتهامات، انتهاء بفيض التجاوزات في الممارسة، وما رافقها من تهم الفساد وسوء التصرّف والتربّح من المنصب، وهو ما يعني حسابيا أنها قد خسرت جانبا مهما من الجمهور الذي منحها الأصوات، وراهن عليها.
{ (العربي الجديد)
copy short url   نسخ
20/09/2020
352