+ A
A -
محمد موسى كاتب لبناني
لم يعد يخفى على أحد أن سفينة لبنان تصارع الأمواج العاتية سياسيا، حيث المبادرة الفرنسية الضائعة فيمن ترضي من سياسيي لبنان وطوائفهم ومذاهبهم، في ظل الحديث عن جولات ومهل زمنية تزداد أياما وساعات في انتظار الفرج، لولادة حكومة اختصاصيين تلقى الدعم الدولي عبر الراعي الفرنسي، والمكلف أميركيا ومن خلفه دول الخليج؛ فإما الفرج وإما العزلة التي ستقض مضاجع اللبنانيين المنهكين والمتلقين المصيبة تلو الأخرى؛ من انتفاضة تشرين إلى لعبة الوقت الضائع، وصولا إلى انفجار المرفأ، وزلزال العقوبات الأميركية التي قد تكون مفتاح الباب الحكومي أو إغلاقه مع ما تحمل العبارة من استنزاف على الصعد كافة، خاصة مع إضافة شركات وأسماء جديدة إلى لائحة العقوبات التي ستكون السيف المسلط القادم على رقاب السياسيين، في حال فشل أو إفشال الرئيس ماكرون في بيروت، حيث كسره ممنوع ومكلف للجميع بلا استثناء وكل من موقعه.
وعلى جناح المبادرة السياسية الفرنسية برز الدور الاقتصادي والمالي التي ستضطلع به الإدارة الفرنسية، والواضح أن الخطة الفرنسية تعوّل في بنائها وهيكلتها القادمة على عماد أساسي اهتزت صورته، لا بل انهارت لدى الكثير من المستثمرين والمودعين، لبنانيين وعربا وأجانب. إنه القطاع المصرفي اللبناني الذي تغنّى به الجميع قبل أن يصبح ومعه مصرف لبنان كشاة في الأرض وكثر من يحمل السكاكين لذبحها ونحرها على مذبح التفلت من المسؤولية والهروب إلى الأمام، وتقويض مصالح المودعين واهتزاز الصورة وضرب الثقة بكل القطاع وربما لعقود قادمة، حيث الإجراءات الاستنسابية وتحويلات في ليل أسود مظلم، ووصول الناس إلى تسوّل أموالهم، كما لو أنهم يشحذون على أبواب المصارف.
وتاليا الفرنسيون، بالاتفاق مع مصرف لبنان، يتجهون إلى رفع الرسملة وزيادتها لدى المصارف اللبنانية، وتاليا البقاء للأقوى والأقدر بانتظار دخول مصارف عالمية كبرى، حُكي كثيرا عن دخولها بعد الهيكلة أو الدمج بين المصارف؛ القادم لا محالة. إن الفرنسيين سيؤدون دور المدقق والفاحص لحسابات المركزي اللبناني، تمهيدا لفرض كابيتال كونترول وقوننة السحوبات وضمان التحويلات وتقييد الحركة المالية، بما يتلاءم مع المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد. ولكن ماذا في الخفايا والوقائع الحاصلة لبلورة أرضية لاكتساب ثقة الناس المفقودة من كل شيء وعلى رأس ذلك المصارف؟
لذلك على أبواب الحكومة القادمة المتعثرة التأليف تبرز مهمّة أولية أساسية، وهي إعادة الثقة إلى الداخل قبل الخارج؛ لأن ثقة المجتمع الدولي يمكن أن الحصول عليها بطرق مختلفة تصرف في السياسة أو المواقف والأحلاف السياسية والاقتصادية في علاقات المنطقة، أما ثقة الناس لكي يعاودوا البناء مع المصارف فتحتاج إلى جهد استثنائي.
{ عربي 21
copy short url   نسخ
20/09/2020
261