+ A
A -
كنعان بن العيني كاتب يمني
ليس هناك علاقة إطلاقاً بين قوة الدولة والمساحة الجغرافية الكبيرة.
يظن معظم الشباب أن الدولة حتى تكون قوية وذات ثقل إقليمي لابد أن تكون مساحتها الجغرافية كبيرة جداً، وهذا الفكر خاطئ ويعود إلى حقبة ما قبل الميلاد حيث كانت القوة للدولة أو للقبيلة التي تحتل مساحة جغرافية كبيرة ليكون لديها أكبر عدد من الأفراد حتى تستطيع أن تخوض معارك لأن القتال يكون بالسيوف والنبال وغالباً ما كانت الخسائر في هذه المعارك قليلة لأنها معارك وجها لوجه وسيفا بسيف مما دفع تلك الأقوام على رسم السياسات التوسعية لتعويض أكبر قدر ممكن من الأفراد الذين لقوا حتفهم في المعارك وبحيث تكون الحدود التي تقع فيها المعارك بعيدة عن عاصمة أو مركز الدولة.
أما اليوم وخاصة في القرن الواحد والعشرين وفي القرون المقبلة فهذه الأفكار لم تعد صالحة وقد عفى عليها الزمن، فالدولة القوية هي من تمتلك اقتصادا قويا يُمكّنها من تسيير سياساتها الداخلية والخارجية، والتعداد السكاني أصبح يتناسب «عكسياً» مع قوة الدولة، بحيث إذا كان لهذه الدولة الصغيرة جغرافياً تعداد سكاني قليل وموارد اقتصادية عديدة أفضل بكثير من أن تكون لك دولة ذات تعداد سكاني كبير ومساحة جغرافية كبيرة وموارد محدودة فسوف تقع هذه الدولة بين أمرين إما أو..
إما أن تحاول أن توفر هذه الموارد لتغطية احتياجات الشعب من تعليم وصحة، وبنى تحتية وفرص عمل وغيرها لأن هذه الكمية الكبيرة من جموع الشعب ليسوا أنعاما، إنما هم بشر يحتاجون إلى رعاية ولهم حقوق، أو تسخر هذه الموارد لرسم سياساتها الخارجية بحيث تترك الشعب في فقر وصراع وأزمات وبلا حقوق.
أما في الجانب العسكري فنحن في عصر التكنولوجيا الحديثة وليس في عصر السيوف والنبال فطائرة نفاثة واحدة قادرة على الصمود أمام عشرات الآلاف من الجيوش البرية، كما أن الدولة القوية اقتصاديا تستطيع امتلاك أحدث تقنيات السلاح بحيث تصبح دولة قوية عسكرياً، فمن يُصنّع السلاح لا يبيعه لك بقدر من مساحة الجغرافيا أو بقدر تعدادك السكاني إنما بقدر قوتك الاقتصادية التي تكون قادرة على شراء هذه التقنيات الحديثة، وكما أسلفت سابقاً أن القوة الاقتصادية تتناسب تناسبا «عكسيا» مع الجغرافيا والتعداد السكاني.
وبالإضافة إلى أنه هناك تحالفات ومعاهدات عسكرية وأمنية في حال ما تعرضت هذه الدولة ذات التعداد السكاني القليل وذات الجغرافيا المتواضعة إلى غزو، وأيضاً هناك قانون دولي يُنظم التعايش المجتمعي ويضع للجميع حدا مما يجعل اللقمة الصغيرة أمام من يريد هضمها أشبه بشوكة عالقة في الحنجرة فلا يستطيع إخراجها ولا يستطيع ابتلاعها وحتماً بكلتا الحالتين سَتُجرح حنجرته وسيسل دمه هذا إن لم يتعرض للهلاك بسبب هذه الشوكة متواضعة «السكان والجغرافيا» ولسنا في عصر الجاهلية والتنافس الجغرافي والفكر الانتهازي والاستصغاري بحيث إن الكبير يأكل الصغير.
copy short url   نسخ
19/09/2020
1821