+ A
A -
نجوى إسماعيل كاتبة لبنانية
صورة قديمة لهما من أيام الدراسة، عندما كانا طالبين في قريتهما اللبنانية، انتشرت، فأوجعتنا في الصميم ووضعتنا أمام حقيقة تلتصق بنا التصاقًا أليمًا وتشكل تاريخنا وحاضرنا، ويا خوفنا أن تكون حقيقة مستقبلنا أيضًا!
صورة جمعت شابين لبنانيين يوم كانا طالبين يرتديان الزي المدرسي ويبتسمان للكاميرا من أجل صورة جماعية مع زملائهما، أظهرت حجم القبح الذي يمكن أن تغرسه فينا الأيام لو أنها سارت باتجاه مسارات مشوهة، غير سوية وغير عادلة!
في الصورة كان خالد يقف إلى جانب لؤي، ولسان حاله: تعال يا رفيقي قف إلى جانبي لنحصل على هذه الصورة التذكارية، لعلها تذكرنا بصداقة الطفولة عندما نكبر، ونتزوج، وننجب الأطفال ليصبحوا أصدقاء مثلنا وليجلسوا على مقاعدنا الدراسية هذه.
لم يكن يدرك لؤي أن خالد بينما كان يكبر كانت تعبث بدماغه أفكار سوداوية، وأن هذه الأفكار ستكون الدافع لقتل زميل مقعده الدراسي، الذي شاركه يومًا الابتسامة البريئة في الصورة، والذي شكل معه فريقًا في الألعاب الحربية الطفولية وحرب العصابات في ساحة القرية، والذي شهر في وجهه مسدسًا مائيًا فأرداه مبللًا يهرول ضاحكًا إلى غير وجهة!
لقد كرر خالد لعبته بعد 21 عامًا، وهذه المرة لم يحمل رشاشًا من المياه، بل كان رشاشًا حقيقيًا، ولؤي هذه المرة لم يتمكن من الهرب ضاحكًا، بل سقط أرضًا مضرجًا بدمائه، ومعه سقطت كل البراءة والصداقة والأحلام، وسقطنا نحن مع لؤي، للمرة الألف، في وادِ سحيق من المجهول الذي قد يأتي، كنتيجة لواقع نعيشه اليوم. هي لعبة أجل، ليست أكثر من لعبة، مصممة كي تقتل فينا البراءة وكي تحولنا إلى متهمين. لعبة بدأت في لبنان منذ أكثر من خمسين عامًا، يوم وزعوا الأسلحة علينا وعلمونا كيف نستخدمها وكيف نصوب بها على رؤوس جيراننا، وأصدقائنا وأهل بلدنا، وكيف نقف على الحواجز ونمنع أهالينا من العبور، وكيف نحرض ونكره ونغدر.
نستنكر ما فعله خالد، من عمل قبيح، ولكن في الوقت نفسه، هل يمكن أن ننكر تاريخنا الأسود خلال الحرب الأهلية، تلك أيام تقاتل فيها أبناء الطائفة الواحدة، وأبناء القرية الواحدة، وأبناء الحارة وزملاء الدراسة، حتى أبناء الأسرة الواحدة، تقاتلوا، وحقدوا على بعضهم البعض، من أجل ماذا؟ من أجل عيون الزعيم، ورئيس الحزب، الذي ننظر إليه كقائد يأسر القلوب، بينما يأسرنا هو في سجن رغباته ومصالحه وأطماعه السياسية.
من حملنا البواريد من أجلهم، يقتلوننا حتى اليوم، ببقائهم في السلطة، ومع بقائهم، ترحل عنا البراءة ويبقى الغدر.
copy short url   نسخ
19/09/2020
278