+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
نبّه القرآن الكريم عن النفاق بقوله: (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ) أي الخارجون من الشّرع. وقد جعلهم الله شرّا من الكافرين فقال: (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ)، ومن أعظم خصال النّفاق العمليّ، أن يعمل الإنسان عملا ويظهر أنّه قصد به الخير، وإنّما عمله ليتوصّل به إلى غرض له سيئ فيتمّ له ذلك ويتوصّل بهذه الخديعة إلى غرض ويفرح بمكره وخداعة وحمد النّاس له على ما أظهره ويتوصّل به إلى غرضه السيئ الّذي أبطنه. فالنّفاق: إظهار الإيمان باللّسان وكتمان الكفر بالقلب.
وذكر الحافظ ابن رجب أنّ النّفاق ينقسم شرعا إلى قسمين: أحدهما: النّفاق الأكبر، وهو أن يظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ويبطن ما يناقض ذلك كلّه أو بعضه. وهذا هو النّفاق الّذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ونزل القرآن بذمّ أهله وتكفيرهم، وأخبر أنّ أهله في الدّرك الأسفل من النّار. والثّاني: النّفاق الأصغر، وهو نفاق العمل: وهو أن يظهر الإنسان علانية ويبطن ما يخالف ذلك.
لذا النّفاق إن كان عقديّا فهو كفر صراح، بل هو أشدّ منه، ولذلك جعلت للمنافقين درجة في جهنّم لا يصلاها سواهم لعظم ضررهم، وشدّة خطرهم يقول الله تعالى: (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ). وقد فضحهم الله تعالى في القرآن الكريم في أكثر من موضع، ووصفهم بأنّهم كذّابون يصدّون عن سبيل الله وأنّهم يستكبرون، كما وصفهم بأنّهم لا يفقهون شيئا ولا يعلمون.
وقد جعل الإمام ابن حجر هذا النّوع من النّفاق من كبائر الباطن قال- رحمه الله-: «ومن الأمراض الّتي تعتور القلب وتعتريه الكفر والنّفاق والكبر والفخر والخيلاء والحسد والغلّ...».
أمّا إذا كان النّفاق عمليّا بمعنى أن يظهر الإنسان خلاف ما يبطن فهذا ينطبق عليه حكم الرّياء، والرّياء من الكبائر أيضا، وقد اتّفق على ذلك الإمامان: الذّهبيّ وابن حجر وذكرا الأدلّة على ذلك في كتابيهما.
كذلك المداهنة من النفاق: فالمداهنة والإدهان: المصانعة واللّين، وقيل: المداهنة إظهار خلاف ما يضمر. والإدهان: الغشّ. ودهن الرّجل إذا نافق. ومعنى داهن وأدهن أي أظهر خلاف ما أضمر، فكأنّه بيّن الكذب على نفسه. يقول ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: المداهنة لأهل النّفاق من حيث إنّ المداري يتلطّف بصاحبه ليقرّه على باطله ويتركه على هواه.
وقد ذكر العزّ بن عبد السّلام حكم التعامل مع المنافقين والمداهنين؛ فقال: ينبغي الإعراض عن المنافقين مستدلّا بقوله تعالى: (فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ).
فالمنافق مريض القلب يفرح إذا أصاب المسلمين ضرّ، ويحزن إذا انتصروا، ويتربّص بهم الدّوائر.
{ أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
copy short url   نسخ
17/09/2020
760